ماهر ابو طير يكتب : لغز " اصول الاردنيين " في رئاسة الحكومة
سمعت رأيا جديداً مسموماً،وأنقل الرأي على عهدة صاحبه،ولا أتبناه،حتى لا أحمل كلفته السياسية،أو الإعلامية،أو الاجتماعية ايضاً.
احدهم يقول ان الاردن انقسم الى كتلتين سكانيتين،الاولى الاردنيون من ابناء الضفة الشرقية او من يسمون بالشرق الاردنيين،والكتلة الثانية الاردنيون من الضفة الغربية او من اصل فلسطيني،ويرى هذا ان المكاسرة بين الكتلتين بلغت مبلغا حاداً،عبر وكلاء كل كتلة.
يعتقد صاحب النظرية ان الانقسام بات علنياً وان لكل كتلة رجالها وبرنامجها ومحاموها ورموزها ونخبها في السياسة والاعلام والبرلمان والمال والمجتمع والاحزاب.
يقول ايضاً وفقا لنظريته الجديدة ان حكومة سمير الرفاعي،ولكون جذور الرئيس البعيدة تعود الى فلسطين،حظيت بحرب ضروس من الكتلة الشرق اردنية،عبر رموزها،ونخبها،في السياسة والاعلام وكل مكان،حتى تم الاطاحة بالحكومة.
صاحب النظرية يزيدني من الشعر بيتاً اذ يقول ان كثيرين فهموا القصة على هذا الاساس،وحين تم تكليف معروف البخيت كشخصية وطنية ومصنفة في الاتجاه السياسي والمنبت عن الكتلة الشرق اردنية،بدأت تصفية الحسابات معه،من الكتلة الاخرى.
بهذا المعنى يقصد ان الحرب التي تتعرض لها حكومة البخيت قادمة من لوبي اردني من اصل فلسطيني،وان الكتلة الاردنية من اصل فلسطيني تشن حرباً ضروساً على البخيت عبر النخب والرموز التي تخصها،في مشهد معاكس لما جرى مع الرفاعي.
سبب الحرب هنا هو الثأر من الحرب على حكومة الرفاعي،والتحسس من البرنامج الذي يحمله البخيت،والذي يقوم على التحفظ والتشدد ويعاكس الرفاعي في اتجاهات كثيرة،وهكذا تمضي البلد في حروب بين كتل سكانية.
شخصياً اعتقد ان هذه النظرية،غير صحيحة ابداً،ومن يتبنى هذه النظرية يريد فعلياً ان يقول ان البلد تشظت وانقسمت الى مجموعتين لكل مجموعة رموزها وشخوصها ووكلاؤها،وان اللاصق السري لحجارة المجموعتين في هرم واحد، تبدّد واختفى.
هذه تفسيرات سطحية جداً للمشهد،ودعونا نتأمل مسيرات الجمعة،في مشهد اول، في آخر اسبوعين،اذ خرجت في محافظات الجنوب التي يتركز بها وجود عشائري فهتفت ضد رئيس الوزراء معروف البخيت،ولم تحمه وتقدم له الحماية بسبب منبته.
مشهد ثان ٍ ُيفنّد هذه النظرية فمجلس النواب بتركيبته من حيث الاصول والمنابت،والتي يسيطر عليها اغلبية»شرق اردنية» صبت أصواتها لصالح سمير الرفاعي،ومنحت القليل لمعروف البخيت،فأين اذا هي الكتل السكانية وممثلوها وفقاً للنظرية اياها؟!.
مشهد ثالث يتعلق بغضبة الاردنيين من شتى منابتهم واصولهم على كل الحكومات وعلى خلفية ذات القضايا من الجوع والتهميش والبطالة وغياب العدالة،ونرى الناس في وسط البلد والزرقاء،كما هم في مأدبا واربد ومعان،يتنفسون ذات الغضب.
مشهد رابع يؤكد بالأسماء والتفاصيل ان التحالفات في البلد،تجري على أسس بعيدة عن الاقليمية،فالذي طالب بالاطاحة بالحكومة السابقة،هو ذاته من يطالب بالاطاحة بالحكومة الحالية.
برغم وجود حساسيات معينة احياناً،وتفسيرات باطلة،احياناً اخرى،الا ان علينا جميعا الا نقف ولا نصدق قصة الكتلتين السكانيتين اللتين تتصارعان عبر نخبهما،ورموزهما،لان هذا السيناريو يأخذنا الى تدمير البلد من الداخل.
كلنا يقبل اي رئيس حكومة واي وزراء ما داموا يخدمون البلد،والناس،وشعبنا بملايينه الستة بات واعياً الى الدرجة التي صرنا نعرف فيها ان المشكلة اكبر بكثير من اسم الرئيس وشخصه ومنبته الى اخر هذه التفاصيل.
اذا اراد البعض تسييل هذه النظرية فليعرف بعد قليل اننا سنضطر ان نبحث عن مسؤول لنكلفه برئاسة الحكومة في الاردن،عبر استيراده عبر مكاتب الشغالات كحل وسط،يرضي الجميع،هذا اذ بقيت هناك حكومة يقبل احداً ان يرأسها بهذه الشروط.
هذه «النظرية» المسمومة لشرح كل السيناريو الجاري اخطر بكثير من ذات السيناريو لانها تقول لنا ان الاردن على حافة حرب اهلية لاتبقي ولاتذر،وهو مايتمناه فقط ابناء الحرام والسماسرة والجواسيس والخونة.
لنخجل قليلا ولنتحدث عن وطن واحد وشعب واحد،لايقبل القسمة على اثنين،فالاردن وكل اهله مثل رقم «1» لايقبل القسمة،فإن حاولنا تقسيمه تكسر الى اعشار.