رسالة الى صديق على فراش الموت

 

على عتبة التحرر

رسالة الى صديق على فراش الموت

عزيزي

تنظر حولك، تستغرب.. وربما تصاب بالدهشة

معظم من احببت وتحب ومعظم من احبك ويحبك متحلقون حولك ، اجتماع ربما لم يحصل من سنوات،كم كنت تتمنى حدوث ذلك..لكن مهلا..ماالذي يجري , لماذا يبدو الحزن عل الجميع ولماذا كل هذه الدموع ...انت تذكر نعم لقد كنت مريضا جدا في الفترة الاخيرة ...ضبق نفس..تعب...ارهاق...صعوبة في الحركة...صعوبة في النوم في الاستيقاظ ...الام في كل مكان من جسمك لم تعد تفيد معها المسكنات ...حقا لقد اصبح كل شيء مملا ومتعبا ..حتى زيارات الاصدقاء ..صرت تشفق عليهم وعلى نفسك...من تكرار السؤال والجواب كيفك ..الحمدلله..

لكن

ما الذي يجري حاليا لماذا الجميع مجتمعون اليوم ولماذا يبدو عليهم الحزن الشديد...والمفارقة

انك اليوم تشعر افضل من اي وقت مضى ورغم ذلك فإن الجميع يبدون حزينين اكثر من اي وقت

كلما شعرت انك افضل يبدون اكثر حزنا!!!

تنظر لنفسك

الالم يزول تدريجيا

تنفُّسك اسهل واكثر راحة

تشعر انك اخف واسهل حركة، لاشيء يعيقك وكأنك تُشفى من المرض وتتحرر من آلامك ..كأنك تنزع جسدك البالي وتتحرر منه كما تنزع الثوب القديم ...تلقي بالتقرحات الى غير رجعة...تشعر انك قادر على الحركة.. الركض.وربما الطيران ..والتحليق ..

حتى الحزن الذي لم يكن يفارقك طيلة الفترة الماضية يبدو وأنه قد تبخر،لستَ حزينا البتة ، في الواقع انك منذ زمن طويل لم تشعر بمثل هذه السعادة والحيوية والانطلاق

تسأل نفسك

ماالذي حصل هل شُفيت من مرضي؟ هل انتهت معاناتي؟ هل حصلت معجزة ؟ منذ اسبوع فقط قال الطبيب ان شفائي صعب وانه من الافضل وقف الكيماوي لانه لم يعد يفيد..هو مخطيءٌ اذن! لقد شفيت رغم توقعاته السلبية! ما الذي حصل؟ هي المعجزة ؟!

هل كان كل حديثه عن الاحصائيات وفرص الشفاء مجرد هراء!

ذلك لا يهمني..المهم انني اشعر افضل من اي وقت مضى...لا شيء يحدني او يحدد حريتي لاشيء..نعم ...لا شيء..حتى جسمي قد اصبح من ورائي ..هل تعقلوا ذلك?

لقد تحررت منه ..لا الم..لا تقرحات ..لاثقل.لاصعوبة تنفس ولاضيق. ، ..لا محددات لا حدود...,حتى انني اشعر انه ليس حزءا مني ..استطيعُ ان أراه...هل هذا معقول!

مهلا

مالذي يحصل؟

كيف ارى جسمي منفصلا عني؟هل يعقل ذلك؟هل يعقل ان ارى نفسي؟ هل انا اثنين؟ام واجد!

ولماذا ارى كلَّ من أحبني ويحبني تعيسا ويبكي?

لماذا هذا التنافض..وكيف؟ كلما شعرت افضل كلما ساء وضعهم ؟ ماالذي بحصل لم ...لم اعد افهم ..

هل نحن في عالمين مختلفين؟؟

لماذا يهتم الجميع بجسدي الذي نزعته للتو ولا يلاحظون حتى وجودي؟ يهتمون به اكثر مني ..يلقون بانفسهم عليه..يهزونهه..يتفحصونه وحتى يقبلونه  في حين يتجاهلوني تماما

ما الذي يجري ؟

هل اصيحنا انا وجسدي شيئين منفصلين؟

ام هو الموت!!

لكن

كيف يكون الموت نهاية للحياة وانا اشعر انني ولدت للتو!

لم اشعر في"حياتي" افضل مما اشعر اليوم

هل أنا جسدٌ فارقته الروح

أم روحٌ تخلت عن جسدها المريض ..نزعته وتخففت من ثقله وآلامه ..وحلّقت

ايتها الروح المحلقة

انتِ... ازليةٌ أخرى... في مواجهةٍ ازلية الموت

انتِ القوة التي تنزٍع من الموت عدميتَه , تُحيلُه حياةً قادمة ان نظرت الى الامام  وتحيله الى معنى ,رضا وذكرى اذا مانظرت الى الخلف.

قوة الروح هي مايرفع الحياة فوق المُعطى الماديِّ المباشر, بها تتسامى.. تسمو تحلِّقُ بجناحي الايمان والمعنى..

.الإيمان.. .

لست وحدك انت جزءٌ من قوةٍ أكبرُ منك واكبرُ من الموت.. خالقة الموت!!..

وخالقةُ الحياة..

 قوة تنزَع الحياة بالموت و تنتزع الحياةَ من الموت "يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي" قوةٌ هي الخالِق والخَلْق انت جزء منها ومرتبط بها هي ابتدأتك وهي تعيدك  انت منها ولها

هي ما يجعل الموت تحررا وانعتاقا من حيِّز الجسد الضيق الى رحابة الخالق.ان تعودَ الى حيث بدأت الى من رَعاك ويرعاك ويرعى من ترعى.. من يتكفلك ويتكفل من تتكفل.هي إذَن روحُك تعود للروح العظمى لتذوب فيها

اما جسدك فيكون ترابا تنمو عليه الفُ سنبلةٍ تكون خبزا,

 الف زهرةٍ يعطيها حبيب لحبيب, يكون رحيقها عسلا, ويصير ورقها  لبنا ترضعه ام لابنها...

واما انت فذِكرى ومعنى, فكرةٌ محلقة, دمعةٌ على خد وابتسامةٌ على شفة.

الايمان ان تطمئن حين تنظر الى الامام الى ماستكونَ عليه في هذه الصيرورة المتحولة تطمئن لانك جزء منها مرتبط بسيدها.

المعنى

ان تطمئن حين تلتفت للخلف فترى انك لم تكن عبثا, تشعر بالرضى عما فعلت وبالاطمئنان لما قَدّمت ولما انت مُقدم عليه.

الموت ...نهاية  ؟أم بداية ..؟

مُتَّ أو ستموت

كلنا سيفعل

ستتغادر أرواحنا أجسادنا لتذهب الى المكان الأرحب والاوسع ..ستذوب في روح الكون وخالقه وسيده ..لتصبح جزءا من من كٌلّْيَّته  وكينونته  مع من تحب دائما وفيهم دوما

إن تفصل القطرة في بحرها

ففي مداه منتهى أمرها

تقاربت يا رب ما بيننا

مسافة البعد على قدرها

عزيزي ..

لربما ستحزن  لِحزننا عليك   وانت ترانا ندفن جسدَك اعتقادا منا أنَّهُ انت, ...جسدَك الذي انعتقت منه, وتنظر له نظرتَك الى ثوب قديمٍ رثَّ..و لم يعد يقوى على حمل الروح فتخليت عنه و تركته ملحا وزادا للارض.

 لربما تمنيت ان يكون احدنا معك فينعم بما تنعم من الانعتاق والانطلاق, حيث لا حدود لزمان اومكان, تعود الى ينابيع الحيوية الاولى والى ازمنة البراءة الى امكنة الحب الاولى الى اماكن منعت منها او منعت عنك....الى اماكن رغبت بها ورغبت عنك., تفعل ماتشاء وقتما تشاء كيفما تشاء لن تنتهي حريتك عند ايِّ حد كان, أو عند بدء حرية ايٍّ كان ولا تنتهي عند حريتك حرية أي كان, تنعم بالحرية الفطرة لا تعرف حدودا ليس لها ابتداء ليكون لها انتهاء, فكل ماكان ومن كان و ماسيكون مُنساح في كينونة واحدة هي مُطْلَقُ الاشياء وعلتها وسببها.

لربما تمنيت ان يكون معك من احببت

 انتَ وهي,

 انتِ وهو,

 حيث لاسلطان عليكما سِواكما ومن سوّاكُما, لا شيخوخة ترهق ولا حد يباعد ولا زمان يفرق, في انسياح الجزء في الكل او المحدود في المطلق.

ما الموت يا عزيزي؟... سوى انعتاق المطلق من المحدود.