ملف الكازينو من زاوية أخرى

 
رغم كل ما قيل ويقال في تداعيات ملف الكازينو التي وصلت إلى حدود سياسية وقانونية نادرة الحدوث في حراكنا السياسي والدستوري، فإن الحقيقة تبقى أن ما حدث أشّر ويؤشر على مستوى المساءلة والديمقراطية المتقدم نسبيا في بلدنا، رغم أنه لم يصل بعد لحدود الطموح السياسي الوطني العام. بالتأكيد إن ما حدث من تجاوزات إدارية، وسرعة غير مبررة في اتخاذ القرارات قفزت عن أدبيات وتقاليد العمل الإداري الأردني، أمر مدان ويجب أن يشكل سابقة تعليمية لنا للمستقبل، ولكن تفاعل هذا الملف السياسي منذ أن أرسله رئيس الوزراء الى التحقيق، ومن ثم بدء التحقيق بشأنه بأعلى مستويات الانفتاح والشفافية، وطرحه للتصويت في مجلس النواب بوصفه صاحب الولاية في إدانة الوزراء، كلها محطات تدلل على أن نظامنا السياسي يمتلك آلية فعالة للتعامل مع الأزمات والتجاوزات، وأن لدى كثير من مسؤولينا الحس بالمسؤولية وضرورات النزاهة للتعامل مع العمل العام بروح إيجابية.
أنا مثل كثيرين يعتقدون أن تعامل الحكومة العام مع ملف الفساد اعتراه التقصير، ولم يكن حساسا للحظة الزمنية السياسية التي نعيش، ولكنني أزعم أيضا أن التعامل مع ملف الكازينو خفف من حدة التوتر العام حول شأن الفساد؛ فقد أراح الرأي العام مراقبته لتداولات هذا الملف وكيف أن الحكومة كانت تتعرض لنقض شديد تحت قبة البرلمان، وقد صدعت لهذا النقد وتحملته وردت عليه. الانطباع العام تحسن بدرجة أو أخرى الآن، وتنامت القناعة أن هناك مزيدا من الانفتاح وربما الجدية لمحاربة الفساد والتقصير وبالطرق السياسية المشروعة. وهذا مهم بعد أن مررنا في الأشهر الاخيرة بمرحلة أعادت الشعور لدى الرأي العام بتوغل الفساد وعدم الجدية بمحاربته.
الحكومة، في طريقة تفاعلها مع هذا الملف الذي يمسها شخصيا، أبدت حسن نوايا وسعة صدر تستحق التقدير، وهي معنية بالاستمرار بالوضوح نفسه والاقدامية بطي ملفات الفساد الأخرى التي لم تدرها بالفاعلية نفسها والتي استنزفت رصيد الدولة الذي راكمته في ملف محاربة الفساد. إدراك الحكومة أن احاديث الفساد "انطباعية" وتتضمن الكثير من المبالغات صحيح مائة بالمائة، ولذلك فهي معنية بأن تتعامل بانفتاح وسرعة مع الملفات الأخرى وبصورة مقنعة للرأي العام تماما كما حدث في ملف الكازينو، الذي وإن لم ترضِ النهاية التي آل إليها البعض، إلا أن الغالبية تعتقد أن كل ما كان يمكن أن يتخذ من إجراءات قد جرى على عكس قناعاتها حول ملفات الفساد الأخرى.
لم أعتقد للحظة أن فسادا قد حدث في ملف الكازينو، ولكنني أقبل وأفهم تماما التسرع الإداري وسوء الحكم الذي اعترى هذا الملف، ومن هنا فأنا أعتقد أنه ملف انتهى بسلام، ليصبح الآن سابقة تدرّس في أدبياتنا الإدارية والسياسية تحت عنوان الأخطاء والدروس المستفادة. إدارتنا العامة بطيئة وغير مرنة، وقد كانت في السابق سببا أساسيا لكثير من الخسارة للاقتصاد الأردني ونماء البلد، ولكن الحل لا يكمن في القفز على الإدارة البيروقراطية وإن كانت مترهلة، الحل يكمن في تحديثها وتقويتها بما يحقق قيم المرونة والفعالية والإنجاز.