أخشى الوغى واعف عند المغنم

 


الفرسان في السياسة ليسوا مصممين للتعامل فقط مع الظروف التي تنطوي على المغانم مثل أيامنا هذه، حيث يمتلئ الحقل السياسي بالشجعان الجدد الذين يريدون تحرير الشعب، وأصبحوا يقفون على مقدمة خط النضال الوهمي حيث لا سجون ولا اعتقالات، وإنما تتخذ السياسات الحكومية التي تعمل على استرضاء هذا الخط الذي راح يستفيد من الوضع الإقليمي، وانعكاساته على الداخل الأردني، ويحتمي بذلك من مخاطر المواجهة مع السلطة.

وفي ظروف النضال الحقيقي كانوا هؤلاء في حالة موات سياسي، وكان الحق الذي يدعونه اليوم وحيدا لا جنود له، وقد ركنوا إلى السلم كعادتهم، وعندما وضعت الظروف الإقليمية النظام في حالة ضعف، وامنوا من العقاب، وإذا بهم فجأة تدب فيهم الحياة بعد طول سبات، ويعارضون بشراسة قل مثيلها، ويخرقون كل الخطوط الحمراء، ولا يسلم منهم احد حتى الرموز السيادية، والإدارات الأمنية، ويتعمدون المساس بهذه الجهات لإثبات شجاعتهم ، وباتوا لا يخشون قول كلمة الحق!!!. وأصبحوا مجاهدين ذلك أن السجون صارت غير واردة، وغدت المعارضة غير مكلفة، وليس هنالك من ثمن يدفع نظير ذلك، فهؤلاء أبطال هذه المرحلة، وقد احتكروا دفة نضال هذه الأيام، وهم على سجيتهم لا يظهرون إلا لجمع المكتسبات، وعند دفع الثمن الوطني يغيبون، فعند المغارم لا يظهر لهم طرف، ويختبئون في قعر الصمت، ويكون وجودهم مجرد ديكور للمشهد السياسي، ولا يتقدمون الصفوف، ويتخلون عن وقفات الحق. وهذا هو دأبهم عندما يكون للكلمة ثمن، ومواجهة الحكومات تنطوي على مخاطر السجن، والاعتقال، والطرد من العمل فيلوذون بالصمت المطبق، ويظهر لهم تحالفات مع الحكومات التي هي في أوج قوتها، ولا يقدمون أية تضحيات تذكر للدفاع عن الحريات، والحقوق العامة، ويكونون مسالمين يدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ودرجوا يؤكدون أن الوسطية في السياسية تقتضي هذه المواقف.

وكانوا يتخلون بوضوح عمن انتحلوا اليوم بعض مطالباتهم، وشعاراتهم التي رفعوها في زمن الصمت، وقد استولوا على الشعارات التي رفعت في الزمن الصعب الذي كان يتفرد فيه بضع عشرات من المناضلين ممن ووجهوا بالسجون والاعتقالات لحمل هم الشعب ومطالبه العادلة، وكان هذا الغثاء الذي يطفو اليوم على السطح السياسي غائبا، ليس له من قضية، وهذه الحركات، والأسماء التي تحتكر واجهة الإصلاح السياسي كانت غير قادرة على خرق مجرد قرار لمحافظ يقضي بمنع إقامة فعالية فكيف بهم اليوم إذ لا يتنازلون لنقد الوزراء والرؤساء ومدراء الأجهزة، وإنما ارتقت بهم الصلافة فوق ذلك.

واليوم في ظل الظروف التي قد تمس بجوهر الوطن آل الشجعان الحقيقيين على أنفسهم إلا أن يفوتوا هذه الفترة الإقليمية الصعبة كي لا يمس الكيان الأردني، ووقفوا إلى جانب الوطن وتناسوا الجراحات، والسجون، والحرمان كما هو دأبهم، وكما عبر عنهم شجاع حقيقي من قبلهم بقوله " يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى واعف عند المغنم" . فلم يسنوا ألسنتهم، وما تزودوا بالشجاعة على حين غرة من مرحلة إقليمية قد تؤدي إلى ضرب معادلة الوطن إلى الأبد، ولم يطعنوا المملكة، ووضعوا الخلافات مع الحكومات جانبا، ووقفوا منافحين عن هذا الحمى، وهويته السياسية، وفي المقابل تداعى القابعون سابقا في الصمت، وشجعان هذه المرحلة الذين لا يشق لهم غبار عندما اقبلت مرحلة المغانم للقفز إلى الواجهة، ولم يعودوا حتى يعارضون السياسيات، وإنما أدموا وجه الأردن، وانساقوا تحت يافطة مطالبات الإصلاح في التهيئة لتنفيذ رغبة دولية، وصهيونية هادفة إلى تغيير الهوية السياسية في الأردن في نهاية المطاف، وظهروا جنودا مخلصين لهذه الدعوات، وتمكنوا من توظيف جانب من الشارع البسيط من خلفها، وهو مطالبه معيشية بحتة في الأساس. وراح يردد من خلفهم شعاراتهم التي تؤدي إلى خلخلة العملية السياسية، وتحويل الأردن إلى موطن لحل نهائي للقضية الفلسطينية للأسف.

هؤلاء الذين كانوا يتخلون عن المناضلين أيام المحن، ويكرسون في إعلامهم كل معاني الرضوخ، والاستسلام  في مرحلة اتسمت بدفع الثمن الوطني أصبحوا اليوم أبطالا يتسيدون الساحة، ويتهافتون على مغانم هذه المرحلة، ولا يهمهم أن الوطن، وليس الحكومات، أو النظام هو الذي يعد له اليوم كي يكون قيد التصفية.

هؤلاء الذين ليس لأحدهم من سجل نضالي يذكر، وربما أن بعضهم لم يقض ليلة في السجن إنما هم كالزبد يذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.