القرار بشأن الكردي: القضية سياسية



تباينت ردود فعل الأردنيين على قرار مجلس الوزراء يوم أول من أمس، بملاحقة رئيس مجلس الإدارة الأسبق لشركة الفوسفات الأردنية وليد الكردي بين مصدّق ومرحّب وبين ساخر ومشكك من الخطوة برمتها ووصفها بأنها "ضحك على الذقون".
القرار يتضمن السير في الإجراءات القانونيّة لاسترداد الكردي، المحكوم بقضايا استثمار الوظيفة المتعلقة بشركة مناجم الفوسفات الأردنية، وتحصيل الأموال المقدرة بأكثر من 300 مليون دينار.
بحسب القرار، جميع الخيارات القانونيّة متاحة بالتنسيق مع النيابة العامّة، والمتمثّلة بالتعميم على الفار الكردي دوليّاً عن طريق (الإنتربول)، بما يتيح إلقاء القبض عليه، وصولاً إلى تسليمه للأردن.
رسميا، يوجّه الأردن مخاطبته لوزير الداخليّة في المملكة المتحدة بصفته نظيره في اتفاقية المساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجنائية الموقعة بين الأردن والمملكة المتحدة؛ وذلك لتسهيل إجراءات القبض على الكردي واسترداده ومصادرة المبالغ المحكوم بها، ضمن القنوات الدبلوماسية المتبعة في مثل هذه الحالات.
لكن اللافت في الجزئية السابقة أن طلبا أردنيا قدم بهذا الخصوص قبل نحو ثلاث سنوات رفضته السلطات البريطانية، وكانت رئيسة الوزراء الحالية وزيرة للداخلية في حينه، والتي تابعت ملف الطلب الأردني ورفضت الفكرة من الأساس بناء على رأي القانونيين البريطانيين، فما بالك الآن وهي رئيسة للوزراء، فلا أظن أن الحال سيختلف.
الفكرة أن كل الخطوات التي تضمنها قرار مجلس الوزراء الأخير ليست جديدة، وفقا للمعلومات، وتم اللجوء إليها جميعها قبل أعوام، ولكن دون فائدة، ولا أستطيع أن أجزم وأقول ما يقوله البعض بأن قرار مجلس الوزراء لم يكن ضروريا ولا منفعة منه لأن الأمر عمليا لا يحتاج لقرار مجلس وزراء، كون مثل هذه المهمة منوطة قانونيا بالنيابة العامة والأمن العام من خلال متابعة الموضوع مع الإنتربول، فهم أصحاب الصلاحية.
الأهمية من صدور قرار مجلس وزراء بهذا الخصوص، هو الرسالة السياسية ذات الرمزية العالية، التي تؤكد أنه ما من أحد فوق القانون، وأن ملاحقة الفاسدين واجب، وهو ما يرضي بعض مطالبات الأردنيين باستعادة أموالهم المنهوبة ولو نظريا، كما أن الرسالة تتضمن تأكيدا على أن الدولة الأردنية لا يمكن لها تبرئة الفاسدين، بل على العكس من ذلك، فهي تسعى على الدوام إلى التذكير بفسادهم وعداوتهم للشعب واستغلالهم لأمواله ومقدراته، وهذه الرسالة مهمة جدا، فهي ما يعطي للأردن خصوصيته وتميزه.
بصراحة؛ الممكن قانونيا في ملف الكردي محدود، وللأسف، فدور وزير العدل، مثلا، يقتصر على طلب المساعدة وفقا للاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وليس أكثر، فيما قد تساعد الاستعانة بالإنتربول في القبض على الكردي في أي دولة أخرى أثناء سفره.
كما أن الاتفاقية الموقعة بين البلدين لا تخدم الموقف الرسمي، كونها لا تنصّ على تسليم المجرمين ولا تُعَدّ قاعدة قانونية متينة للمطالبة بتسليم الكردي، فهي مجرد اتفاقية تنص على المساعدة القضائية وليست اتفاقية تسليم مجرمين، وقد سبق للحكومة البريطانية أن رفضت طلبا بالتسليم.
حتى لا نرفع سقف التوقعات وتبقى القصة عند حدودها الرمزية الإيجابية، فإن من المفيد إعلام الرأي العام أن ثمة مراجعة تمت في السنوات الماضية لجميع عقود الشركة إبان إدارة الكردي للشركة، وللأسف لم تفضِ إلى نتائج مفيدة يمكن البناء عليها، فجميع التعاقدات، على علاتها، مغطاة بالقانون وفقا لرأي قانوني قدمه محامٍ يصنف ضمن قائمة أفضل القانونيين.
لكن، وبعد العرض السابق كله لا أتفق مع من يقلل من أهمية الخطوة، على ضعف معطياتها القانونية، لأن في ظلها محاكمة سياسية جديدة لأردني فرّ بعد أن أتقن جيدا لعبة الغطاء القانوني لكل أعماله.
كان يمكن تجنب مثل هذه الخطوة، ربما، لعدم جدواها الحقيقية ونظرا لعلاقات المجرم نفسه، ومثل هذا القرار كلنا يعرف أنه لا يقتصر على "هوى" رئيس الوزراء، بل يحتاج إلى موافقات وتوافق من جميع الأطراف.