بسام البدارين يعري وزير الداخليه السابق نايف القاضي
الكلام عن تجميد قرارات سحب الجنسية نهائيا ووضعها بالثلاجة، كما قال وزير الداخلية الأردني سعد هايل السرور يرضي الأردنيين من أصل فلسطيني ويحتوي المجموعات المدنية والحقوقية التي تصرخ بين الحين والآخر. لكن الاستمرار الفعلي بسحب الجنسيات، رغم الكلام السابق يرضي بالمقابل بعض مراكز القوى الوطنية التي ترى في الجنسيات الممنوحة لأبناء الضفة الغربية خطرا يهدد الهوية الوطنية الأردنية، والأهم يطيح بشبكة المصالح لبعض النخب والأفراد.
ومن الواضح ان السلطة الأردنية تمارس هذا التكتيك المزدوج وهي تلعب بورقة الجنسيات، فتخمد نيران الغضب والمخاوف عند أردنيي الأصل والمنبت وتسمح للقوى المتنفذة في الجهاز البيروقراطي بمواصلة الحفاظ على المصالح العليا - من وجهة نظرها - عبر التواصل في سحب الجنسيات.
ذلك بطبيعة الحال تكتيك تخديري يحاول إرضاء جميع الأطراف وكسب وشراء الوقت بالتزامن، فبعض القوى المتحكمة في دوائر القرار تبدو مستعدة لتمرير اي توجيهات من أي نوع للمؤسسات المرجعية مع استثناء واحد وبسيط وهو سحب الجنسيات، فهنا تحديدا لا مجال لمجاملة حتى القصر الملكي، على أساس ان مستقبل البلاد والعباد والهوية الوطنية في رقبة هؤلاء الذين يسحبون الجنسيات او ينظرون لها.
.. نايف القاضي وزير الداخلية الأسبق والمنظر الأبرز لتفكيك العلاقة مع الضفة الغربية، لم يخرج عن هذا السياق في طلته الأخيرة على شاشة فضائية نورمينا المحلية، التي أدارت حوارا لطيفا حول سحب الجنسيات انتهى بأن يتحدث القاضي مباشرة عن صحيفة 'القدس العربي' قائلا انه دعا هذه الصحيفة على مدار عامين لمقابلته للتحدث بأمر الجنسيات من دون استجابة.
والحقيقة أني دعيت كممثل لمكتب 'القدس العربي' من قبل معالي القاضي وعدة مرات لشرب القهوة وعلى طريقة (.. يا زلمة مر على أبو خالد) فرفضت هذه الصيغة وقلت: أنا صحافي ولا أمر على أحد لشرب القهوة إلا إذا كان صديقي، وإذا أراد معالي أبو خالد الذي نحترمه فأنا جاهز لإجراء مقابلة يرد فيها على أسئلتي بخصوص سحب الجنسيات، وما دون ذلك فقهوة الوزير الشيخ مشروبة... طبعا رفضت صيغتي ورفضت انا صيغة الدعوة فلم يحصل لقاء بين القاضي و'القدس العربي' لهذا السبب.
الطريف في الأمر اني شخصيا حاولت (بق البحصة) كما يقال في الشام، فقد طلبت نورمينا مني الإدلاء بمداخلة على هامش حلقة الوزير القاضي فتطوعت بإلقاء خمس ملاحظات دفعة واحدة توقف القاضي عند واحدة منها فقط وهي تلك المتعلقة بوجود تعليمات سرية لم تعلن للناس وتخلو من الشفافية ولا يعرفها ضحايا سحب الجنسيات، لكن الوزير يعرفها جيدا ويتم بموجبها شطب الأرقام الوطنية من الناس.
الطريف هي الطريقة التي قال فيها القاضي للناس بأن سحب الرقم الوطني مسألة تختلف عن سحب الجنسية، مشددا على ان الجنسيات تسحب فقط من قبل مجلس الوزراء.
وهنا شكل من أشكال التذاكي، فكل الدنيا تعرف أن من لا يحمل رقما وطنيا لا يحمل جنسية أردنية، والشعب يعلم أن الجنسيات يسحبها موظفون صغار بائسون لا يعودون في قراراتهم لا لوزير الداخلية ولا حتى للحكومة برمتها، فالمسألة تتم أصلا خارج سياق الحكومة لأن الحكومات في بلادي دوما آخر من يعلم.
تعليمات سرية
والأطرف أن القاضي وفي حلقة نورمينا رفض الاعتراف إطلاقا بوجود تعليمات سرية وهو يعلم تماما أنها موجودة وموثقة ومكتوبة وموقع عليها من قبل وزيرين سابقين للداخلية، هما قفطان المجالي وسمير الحباشنة ولأسباب لا يمكن الإفصاح عنها الآن. أتمنى على معالي الوزير الشيخ ان لا ينكر بعد الآن وجود هذه الملاحق السرية وأقول له: أرجوك لا مبرر للإنكار فأنت تعرف أن التعليمات سرية.
وحلقة القاضي على نورمينا مفعمة بالمفاجآت فقد تحدث الرجل عن أنصار التنظيمات الذين حملوا السلاح ضد الدولة الأردنية في الماضي، ويوجدون الآن في الواجهة ويحاول النظام (مجاملتهم) عبر استشارتهم بين الحين والآخر بقضايا تخص الأردن وحده، واشتبك القاضي مع نائب رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة الذي خرج في نفس الحلقة ليتمسك برأيه حول الأضرار الذي تلحقها سياسة سحب الجنسيات بالاستثمار في البلاد.
.. هنا تحديدا لا يبدو القاضي مهتما بالمستثمرين فقد سبق ان حاولوا الإساءة لعلاقته بالقصر الملكي والتشويش وما يفهمه المرء ان المستثمر 'يتطعوج' زيادة عن اللزوم وان الدولة الأردنية فاضت بالدلال والحنان على المستثمرين وأنهم (تدلعوا) بدون مبرر وعليه فالمصالح العليا المتأتية من سحب الجنسيات أهم من الاستثمار.. هذه نظرية عصرية في علم الاقتصاد يمكن ان تدرس في الجامعات.
لكن الأكثر إثارة هو الملاحظة الهامشية التي قالها لي موظف الجوازات عندما تقدمت بطلب إصدار وثائق سفر لأولادي، فقد طق الشاب بيديه على شاشة الكومبيوتر وكأنه يقول لي (مسكتك يا حرامي) ضبط ملفاتي وقيودي متلبسة بمعلومة خطيرة تمس بالأمن القومي والإستراتيجي الأردني وهي المعلومة التي تحت بند(مكان ولادة الزوجة) فالمدام المصونة مولودة من حسن حظي بالكويت .
صاحبنا الموظف طلب مني تقريب رأسي إليه ليضع كلمة في أذني ثم قال: سأرحمك ولن أطلب منك زيارة دائرة المتابعة والتفتيش (المختصة بسحب الجنسيات).. سألت لماذا؟ فقال الرجل: المدام يا خوي .. مرتك.. مولودة بالكويت وهذا سبب واضح يجعلني أشك بجنسيتك أو جنسية المدام والعيال مما يتطلب الاستعانة برأي جماعة المتابعة والتفتيش.
ذلك لا يعني بلغة الفضائيات إلا شيئا واحدا، فولادة الزوجة بالكويت سبب سيضاف للأسباب السرية التي تسحب الجنسيات من أجلها، خصوصا مع المواطنين البسطاء الذين لا يعلمون ما يجري ولا يستطيعون تدبير أمورهم.
.. لا أريد أن ألمح للشخصيات الأردنية الرفيعة التي ولدت بالكويت أو الذين ولدت زوجاتهم في الكويت، فزوجتي رغم خلافاتي السياسية معها لا زالت تحب الكويت وتحن إليها وهذا حقها، وعدد الذين ولدت زوجاتهم بالكويت وأعرفهم أنا شخصيا يفوق المئات وأزعم أن ربع الشعب الأردني على الأقل اليوم تزوج بفتيات ولدن بالكويت وبعدد أقل في بعض دول الخليج.
لكن الملاحظة التي ألقاها في أذني أخونا الموظف تدفعني لتوجيه نداء تحذير للأردنيين من شتى الأصول والمنابت: تخلصوا في أقرب وقت من الزوجات المولودات في الكويت حفاظا على جنسياتكم... إذا لم تفعلوا ذلك ستكون جنسيات أولادكم في مهب الرياح.
وعلى سيرة الكويت إسمحوا لي بأن أكشف لأول مرة السر التالي وأجري على الله، وقد سمعته مباشرة من شاهد عيان كويتي وقرأته موثقا في تقرير رسمي وهو باختصار: يحضر وفد إعلامي كويتي رسمي إلى عمان ويجري عدة مقابلات واحدة منها مع وزير بارز في حكومة الرئيس سمير الرفاعي ويأخذ اللقاء شكل المقابلة الصحافية .. بمعنى الضيوف يستفسرون والمضيف يجيب.
سأل صحافي كويتي الوزير الأردني: ما قصتكم مع سحب الجنسيات ولماذا هذه الضجة؟.. الإثارة كانت في الإجابة وهي كاالتالي: أولا هذه الضجة مفتعلة من الإقليميين والعنصريين الفلسطينيين المناهضين للأردن قيادة وشعبا.. ثانيا - لابد من الوقوف بوجه هؤلاء الساعين للتوطين والوطن البديل والتصدي لهم.. ثالثا (وهو الأهم) - ألا تذكرون، أشقاؤنا بالكويت، ماذا فعل الفلسطينيون ببلدكم وكيف خربوه ووقفوا ضدكم مع صدام حسين؟.. إنهم لا يأمن جانبهم.
بقيت معلومة صغيرة: مضمون كلام الوزير الأردني اعترض عليه زميلان من الوفد الكويتي بشدة وقام أحدهم لاحقا (بأسفنة) الوزير لدى رئيس الوزراء آنذاك .
مدير مكتب 'القدس العربي' في عمّان