يقامرون على حساب البلد
لم يكن بالضرورة أن يجتهد مجلس الشعب المسكين ويجري تصويتا على مسؤولين منهم الرئيس معروف البخيت حول إدانة أم لا في قضية الكازينو، كمسرحية هزلية تعكس مدى الاستخفاف بالعقول والالتفاف على الحقائق.
نتائج التحقيق الذي نفذته لجنة نيابية واضح ولا يحتاج لتأويل، فهو يدين البخيت وكل الطاقم الوزراء في القضية، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين، فتأتي عملية التصويت لغايات التبرئة لا أكثر.
نهاية المشهد المضحك ستكون تشجيعا لمزيد من المقامرة وعلى حساب البلد من خلال إعطاء رخصة رسمية لممارسة الفساد، وإلا من سيردع الفاسدين في حال سيتمكنون من الحصول على صك غفران من نواب آخر زمن.
صحيح أن من أدان يستحق الإحترام، لكن كان من الأجدى عدم الدخول في متاهات رسمتها عملية التصويت التي من الغريب أن تكون مرتبطة بالنظام الداخلي للمجلس، ما يشي بأن ذلك النظام ساقط ويحتاج لتغيير أو تعديل.
حتى إن تجاوزنا قضية الكازينو فكيف يمكن تجاوز قضايا أخرى مثل "سكن كريم" و"موارد" و"شاهين" و"أمانة عمان"، تلك ليست إلا بضع من آلاف القضايا الظاهر منها الباطن، وتأخير قضية منذ 2007 ليس إلا انعكاسا للترهل الإداري وخذلان الناس بجدية مكافحة الفساد.
يبدو أن مسلسل المقامرة سيستمر، وهنالك قناعة تامة لدى شريحة كبرى بأن لا أحد قادر على مكافحة الفساد واتهام من أصبحوا ناخرين للدولة وكلمتهم هي العليا، إذن هل أصبح الوضع ممنهجا كما يشاع أم أن شخوصا عالية هى التي تمارس الفساد بحكم القانون ومن خلال تسيير البلاد، على اعتبار أنهم مسؤولون ويديرون شؤون الدولة.
الغريب أن الوضع الحالي محرج سياسيا، فلا إجراءات إصلاح على أرض الواقع، واقتصاديا من خلال التدقيق بالبيانات ديون ونمو وعجز وهبوط حاد في الاستثمارات والإيرادات، واجتماعيا بعد الصورة التي رسمها للخارج شواذ أظهروا بأن المجتمع متفكك وتحكمه النعرات.
حتى هذه اللحظة لا يأخذ أصحاب القرار الأمر بجدية، ويعتقدون بأن المشهد سيبقى كما هو عليه مع إمكانية أن يتقلص التوتر في وقت قريب، لكن كل تلك المعطيات تشير إلى إمكانية حدوث كارثة ويمكن أن تكون مفاجأة، آنذاك لن ينفع اي تصويت ولا حتى تبرئة واتهام.
بالأمس كانت المطالبات بإجراءات إصلاحية محدودة ومعالجة جزئية لمستوى معيشة الناس الذين كانوا سيقبلون بمزيد من الضرائب ولحساب الخدمات، لكن اليوم المطالب أصبحت أكثر من المعقول، وسيأتي يوم تمتنع فيه شريحة واسعة عن الوفاء بما هو مطلوب بعد أن تصل لقناعة بأن ما يدفعونه لن يكون سوى إمداد للمقامرين.