حين رحل اعز الرجال

زياد ابو غنيمة… حين رحل اعز الرجال…


يوم غد تصادف الذكرى الثانية لرحيل اعز الناس على قلبي؛ الوالد الحبيب زياد ابو غنيمة رحمه الله رحمة واسعة.
تلك ساعات كئيبة التي كانت ظهيرة يوم السبت الموافق 29.8.2015؛ فقد اصبحت علامة فارقة في حياتي لم تفارقني منذ ساعتها ولغاية اللحظة …
أأكتب عن زياد ابو غنيمة الاب والقدوة والمُعلّم والحاني على ابنائه وعائلته؛ ما توانى يوما عن مدّنا بالنُصح والإرشاد بحكمة ودراية بأمور الحياة وتقلباتها وصعوبة الناس فيها.
ام اكتب عن زياد ابو غنيمة الاردني ابن اربد الذي ما توانى عن تسخير قلمه وفكرة للدفاع عن اردننا الحبيب في وجه ما يُحاك ضده من مؤمرات داخلية كانت ام خارجية، ذات يوم قبل رحيله بعدة سنوات؛ ارسل رسالة لملك البلاد قدّم فيها النُصح للكف عن استهداف قادته جهات في الدولة ضد مكونات اساسية في مجتمعنا الاردني الحبيب، رسالة كان لها وقعها وصداها تمثّل في وقف تلك الحملة بجرّة قلم كما بدأت بجرّة قلم.
كان مؤمنا بالقضية الفلسطينية وحق اهلنا في فلسطين بدحر الاحتلال طال ام قَصُر زمانه؛ كانت فلسطين في لُبّ كتاباته وخطاباته، فلسطين التي سمع اسمها لأول مرة حين كان بمعيّة والده المربي والمجاهد محمود ابو غنيمة وهو في سن مبكّرة من حياته، فلسطين التي سُجن والده بتهمة تهريب السلاح لصوار فلسطين في اواخر الثلاثينيات من القرن الماضي.
ام اكتب عن زياد ابو غنيمة الذي كان عاشقا لمدينة اربد التي اكرمها في حياته كما اكرمته عند رحيله؛ فكان كتابه الموسوعي ” اربدي يتذكر ” الذي سخّر من وقته وحياته اكثر من عشرة اعوام حتى اكتمل اصداره.
ام اكتب عن زياد ابو غنيمة الذي كان زاهدا في الدنيا كحال الصالحين والمصلحين؛ لم يتقرب يوما لحاكم او مسؤول؛ فمن كان يسعى للآخرة لا يسعى لبريق الدنيا التي اتته طوعا لا تزلفا ولا نفاقا ولا تملقا لاحد، فكان اسمه علما في حياته وسُمعة طيبه لنسله بعد رحيله.
كان يُدرك رحمه الله ان البطانة التي كانت حول كبار المسؤولين لم تحب يوما اي رجل وطني منذ وُجد وطننا ؛ فبطانتهم التي لم تحبك يوما لم تُخبرهم عن اي نوع من رجال الوطن كنت؛ هذه البطانة التي كان دوما يدعو الله ان تكون بطانة صالحة، كرهوك لانك كنت حريصا على الوطن كمثل حرصهم على ارصدتهم المليونية وكمثل حرصهم على توريث ابنائهم المناصب والعطايا والمزايا.
عزاؤك كما هي حياتك كان عرسا وطنيا ” بامتياز ” شارك به الالاف في اربد وعمان من كل ارجاء الوطن؛ اقول بامتياز؛ لانك لم تكن يوما مسؤولا لا كبيرا ولا صغيرا؛ كنت رجلا وطنيا وكفى ؛ وهذا كان يكفيك في حياتك وبعد رحيلك؛ يكفي عائلتك ومحبيك، كان بامكانك ان تكون اكبر من كل المسؤولين جميعا ،فالارث العائلي الذي اورثته لابنائك كان كفيلا بذلك؛ فوالدك محمود كان من مؤسسي التربية والتعليم في الاردن، وعمك صبحي كان من قادة الحركة الوطنية الاردنية، وخالك عرار شاعر الاردن على مر العقود كان ولا يزال، وابن خالك الشهيد وصفي لا زال في ذاكرة الاردنيين رغم عشرات الرؤساء الذين جاؤوا بعده، آثرت العمل لله اولا وللوطن ثانيا، فكانت المكافأة في الدنيا هذا الالتفاف العظيم من عباد الله حول شخصيتك في عزائك، وكنت دوما تنتظر وتسعى للجائزة الكبرى من رب العباد بجنة عرضها السموات والارض ونحسبك من الفائزين بها ولا نزكي على الله احدا لصلاح حالك في الدنيا ولما قدمت لدينك ولوطنك واهلك ومحبيك،
اكتب عن الوالد الحبيب زياد ابو غنيمة وفي القلب غُصّة وفي العين دمعة وفي النفس حُزنٌ شديد؛ فلمثلك يحزن الفؤاد ولمثلك يُفتقد الرجال.
اي رجل كنت … كنت بألفٍ مما يعُدون من الرجال…
رحمك الله رحمة واسعة واسكنك فسيح جناته وانا لله وإنا إليه راجعون.