المسؤولية الأدبية لرئيس الوزراء في قضية الكازينو !!!


 

تابعت بالأمس تفاصيل جلسة مجلس النواب الخاصة بالتصويت على نتائج التحقيق بالقضية الخلافية الشهيرة " قضية الكازينو " ، ومع أنني سعدت كثيرا من حيث الشكل بأن نصل الى هذا المستوى من الديموقراطية بمحاسبة وزير أسبق ورئيس وزراء حالي ، الا أنني كنت على يقين بأن المضمون – نتيجة التصويت - لن يسعدني في النهاية ، ليس لأنني ضد مبدأ المحاسبة أو انني متعاطف مع أحد ،  بل لأن نتيجة  التصويت كانت شبه معروفة سلفا سواء كان بالنسبة للوزير الاسبق أسامة الدباس أوبالنسبة لرئيس الوزراء الحالي دولة معروف البخيت ، كنت على قناعة تامة بأن الأجواء السياسية السائدة تقتضي  ضرورة تقديم كبش فداء بهذه القضية ،اخمادا  لأجيج النار الكامنة في نفوس المواطنين ولطي صفحة ملتهبة أرقت رئيس الوزراء وكانت مصدر قلق دائم له ، فكان لا بد من حسمها ، وكان له ما أراد .

 

أعتقد جازما بأن تصويت السادة النواب لم يخلو من التحالفات والكولسات وتصفية الحسابات، بعضهم كان منسجما مع نفسة ، فصوت تعبيرا عن قناعاتة وبما يمليه علية ضميره  وانسجاما مع حيثيات نتائج لجنة التحقيق ومصلحة الوطن العليا ، سواء كان تصويته  سلبا أو ايجابا ، وبعضهم وجدها فرصة لتحقيق مكاسب شخصية وتصفية حسابات قديمة جديدة ، فنظر الى الموضوع من زاوية محاكمة أشخاص وليس من قبيل النظر لها كقضية تستوجب النظر لها كوحدة واحدة ، وبعضهم تأرجح بين هذا الموقف وذاك ،  فسقط الدباس متهما في تناقض غريب لمجلس النواب وترك ليواجه مصيره وحيدا ، بينما خرج  رئيس الوزراء منتصرا وحصل على براءته وطوى ذلك الملف الشائك .  

 

 

ما يهمنا في النهاية هو احقاق الحق وان يأخذ العدل مجراه بغض النظر عن الاشخاص والمناصب والجغرافيا والنظرات الاقليمية الضيقة ، فكلنا أردنيون أولا واخيرا ومصلحة الوطن فوق كل اعتبار أو أشخاص مهما علت مواقعهم ،  لكن هناك مسلمات متعارف عليها في ديمقراطيات العالم تسمى "  المسؤوليات الادبية للرجل الاول " يجب الأخذ بها والاشارة لها ، فعندما يستقيل وزير النقل في دولة ما بسبب تصادم قطارين في بلده نتيجة الخسائر الناجمة عن هذا الاصطدام ، فذاك لا يعني أن الوزير المستقيل كان يجلس خلف جهاز الحاسوب الخاص بتوجيه القطارات وأخطأ ببرمجة مسارات القطارات مما ادى الى حدوث ذلك التصادم ! وحين تلتقط  الكاميرا صورا لوزير ما في دولة ما في أوضاع مخلة للذوق العام ويتم نشرها بالصحافة  ، ثم يتقدم رئيس وزراء تلك الدولة باستقالته ، فذلك يعني التزاما أدبيا منه تجاة شعبة وتجاه حزبة وناخيبه ، أما في عالمنا الثالث ، فقد غرقت عبارات بالكامل ومات المئات ولم يستقيل أحد! وسقطت طائرات ومات المئات ولم يحاسب أحد  ! وغرقت مدنا بمياه الامطار والفيضانات  ولم يتحرك احد ، فالمسؤول الاول ليس له علاقة أو مسؤولية بأي اخفاق  يحدث ويستوجب المساءلة والاستجواب ، لكنه قبل ذلك مسؤول عن كل شيء ، وعن كل شاردة وواردة ، ولا يستطيع أحدا ممن يعملون تحت ادارته  ان يأخذ قرارا الا بموافقته ، أو ان يأخذ نفسا عميقا الا بمعرفته ، واذا كان لا بد من ضحية في حالات الاخفاق والمساءلة ، فأنه يتنحى جانبا ويكون أول من يقفز من السفينة قبيل غرقها تاركا من فيها يواجهون مصائرهم ، فالاعمار بيد الله وحده !!!!

 

حاولت أن اجد تفسيرا لموقف بعض السادة النواب ممن صوتوا بادانة الدباس وصوتوا ببراءة الرئيس أو امتنعوا عن التصويت لصالح البخيت ، فلم اجد ! ومع أنني لا أغمز في قناتهم ، فهم أحرار بموقفهم وقناعاتهم ، الا ان المنطق البسيط يقول " كان الاجدى اما تبرئة الوزير والرئيس  أو ادانة الوزير والرئيس  " ، فليس هناك وزير في الاردن وفي أي دولة في دول العالم الثالث يتخذ قرارا بمعزل عن موافقة رئيس الوزراء ومباركته ومتابعته ، وكان الاجدى بدولة الرئيس أن يشير الى مسؤوليته الادبية في هذه القضية كنوع من تحمل المسؤوليات أمام الرأي العام الاردني ، مع أنه يسجل له موقفه من  ألغاء الاتفاقية لاحقا ، وتحوليها الى الجهات المختصة للتحقيق فيها . والسؤال الاكثر براءة والموجة للسادة النواب ويحتاج الى اجابة مقنعة هو " هل كانت نتيجة التصويت بالنسبة لدولة رئيس الوزراء معروف البخيت ستكون كما هي الان لو تم فتح الملف والتصويت عليه في عهد رئيس وزراء اخر !!! "