السياحة في الأردن.. مشاهدات في وادي رم والعقبة


كنت وما أزال مقتنعاً بأن السياحة نفط الأردن الذي لا ينضب، وأن الحكومات المتعاقبة لم تهتم بهذا القطاع الحيوي كما يجب، وظلت وزارة السياحة منسية لا تتقدم سلم اهتمامات الحكومات، وميزانيتها "فتات" لا يتناسب مع المهام التي يجب أن تقوم بها.

ما كتبته السائحة الإيطالية على صفحتها بوسائل التواصل الاجتماعي أثار ضجة في الأردن، واهتمت وزارة السياحة بمتابعة وتدقيق ما أوردته، وبدون تجنٍ أستطيع القول بضمير مرتاح بأن كثيراً مما قالته صحيح، وبعض ما نشرته فيه مبالغة، وما تعرضت له من مواقف وسلوكيات يتعرض لها الأردنيون، وهذا ليس تبريراً وإنما تشخيص لممارسات شائعة تتسم بالجشع.
وأوافق الزميل محمد أبو رمان فيما كتبه، فالأزمة تتعدى البنية التحتية والخدماتية على أهميتها، الى "البنية الفوقية" الثقافة والأخلاق والسلوك، وهذا ما يجب أن يقلقنا أكثر وأكثر، فالمجتمعات غير الحاضنة للسياحة مهما امتلكت من كنوز تاريخية وجمال للطبيعة ستبقى في مواجهة الأزمة.
"زمان" كنا نقول إن الأردن أكثر شعب مضياف بالدنيا، وأخلاق الناس عندنا لا تسمح لها أبداً بالاحتيال على ضيف أو سائح على أرضنا، وكان من يزور الأردن يتغنى بقصص الكرم التي قابلته، من سائق تاكسي يرفض أخذ الأجرة، بل ويأخذه لبيته ليقوم بواجب ضيافته، وحتى أصحاب محلات وقهاوي يكرمون ضيوف بلدهم ويقدمون أفضل نموذج في الترحيب والكرم.
والسؤال الآن: هل ظلت هذه القيم التي كانت سائدة موجودة، أم تراجعت وانحسرت؟!
لا نطلب في هذا المقام فتح المطاعم والفنادق مجاناً وضيافةً للسياح، وإنما نطلب التوقف عن ممارسات الغش والاحتيال.
خلال هذا الشهر زرت وادي رم والعقبة، وسأروي لكم مشاهداتي السريعة عن واقع السياحة، وأبدأ من وادي رم المكان الساحر الذي لا يتكرر ولا يمكن أن تجد مثيلاً له بالعالم.
حين تصل استراحة وادي رم والنقطة التي تليها حيث تتوقف السيارات والباصات تتوقع مكاناً زاخراً بالحياة وبه مرافق وخدمات وعلامات واضحة، وما حدث أنني استغرقت وقتاً بالبحث عن "حمام" ولم يكن بحال جيدة.
وفي الصحراء ينقلك أهل المنطقة الذين يتولون السيطرة على المواصلات، ومن المفترض أن تركب "جيب" في جولة سياحية، والحقيقة أنك تركب "بك أب" متهالك، قديم، غير مرخص، ولا تتوفر به مقومات السلامة.
المخيم في وادي رم جميل وفكرة "الخيم الفضائية" ملهمة، ولكن الخدمات ضعيفة جداً، والطعام لا يتفق مع الأسعار التي تدفعها لهم.
وفي العقبة تواجه بالأزمة لحظة وصولك للمطار، فلا حركة به، والحزن يخيم على أرجائه، وحين تخرج لتستقل تاكسي تصعق بسيارات قديمة مهلهلة تعطي انطباعا سيئاً للقادمين لهذه المدينة.
بعد أن ركبت بالتاكسي أدركت أن السيارة لن تصل الى وجهتنا الفندق الذي لا يبعد أكثر من 10 دقائق، وفعلاً أبلغني السائق أن سيارته "خربانة" وأنه سيوقف تاكسي اخر ليقلني للفندق.
ركبت التاكسي الآخر الذي لا يقل سوءاً عن الأول، وحين وصلت للفندق طلب "13" ديناراً في رحلة لم تستغرق دقائق، شعرت أنه يستغلني ويضحك علي، فأبلغني أن التسعيرة "15" ديناراً، وطلبت منه فاتورة فأجابني "نحن لا نستخدمها".
المشاريع الرئيسية التي بني الرهان عليها بالعقبة لم تستكمل بعد، "سرايا العقبة" منذ أكثر من عقد وهي في طور البناء، "آيلة" التي أنجزت أكثر من غيرها ما تزال لم تفتح أبوابها، و"مرسى زايد" المعطل بسبب تأخر نقل الميناء.
تتجه العقبة نحو بناء مدن مسورة لتشجيع السياحة داخل أسوارها، وليس في شوارع المدينة، التي تشعر أن أهلها لم ترتبط مصالحهم بعد بالسياحة، ولذلك لم تتغير معاملتهم، وسلوكهم، مثلما حدث في "الغردقة" بمصر مثلاً، أو المدن التركية "مارماريس وبودروم".
شواطئ العقبة جميلة جداً، ولكن الأردنيين قرروا هجرها الى منتجعات سياحية قريبة مثل "شرم الشيخ" ولبنان، فهناك مثلاً لا تجد الناس يسبحون بملابسهم، هذا عدا أنهم ينفقون مالاً أقل ويتمتعون أكثر.