بلاغ للزميل محمد الخطايبة : في بيتنا فلسطينية


في زمن الأفراح، حط في قريتنا شمال البلاد قادماً من الغرب، لم يكن بالقطع هو الهواء الغربي الرطب بل “عبده الحطيني”، حاملاً معه هموم هجرته، اعتقد بان إسم عائلته نسبة الى بلدته، اجتمع مخاتير القرية ومنحوه بيتاً وصار إماماً وكاتباً لرسائل الابناء المنتسبين للجيش، وكانت المقدمة: سلام سليم أرق من النسيم وأشهى على العسل من قبل السقيم، لقد طال البعاد وزاد الحنين والاشتياق فلا الزمان يجود بقربكم الي ولا الكرى يأوي الى فاحظى بطلعتكم اللطيفة ومحاسنكم الظريفة… اعتقد جازماً انه كان يكتب ايضاً الى اهله في حطين.

كبر ابناء عبده وهم من اقراني، كنا نلعب سوياً في  البيادر، ونتبادل القمح الابيض الذي يحصلون عليه من وكالة الاغاثة بالقمح الاسود، كم كان جميلاً ذاك الرغيف الابيض، المبادلة بقياس الصاع وليس بالوزن، نقول معلش فهو ابيض.

في زمن الأحزان،هبطت علينا من السماء نعمة، وفي وسط منزلها انها “سارة السرطاوي”، كم هي جميلة ورشيقة، مشاغبة احياناً، لكن بحذر، لقد غيرت من حركة حياتي اليومية، بان علي ان انتظرها حتى الساعة التاسعة صباحاً لتلقي علي تحية الصباح وأنا انظر الى عينيها ووجهها الطفولي، وارقب مستقبلها.

اتذكر كل ذلك وأنا أعيش في زمن فقد بوصلة اتجاهاته، لا اعرف فيما اذا عبده الحطيني رحمه الله كتب في اخر رسالة له المقدمة، لكنني اجزم بان العديد من الرسائل كتبها والقى بها في مهب الريح لتصل الى حطين.

سارة في بيت ما يصطلح على تسمية صاحبه بالشرق أردني، وفي زمن اللأوعي اكاد افقد وعيي، لعل ذات يوم يأتي يطلب منها ان تحزم حقيبة مدرستها، وهذه المرة بدون “سندويشة” الى المجهول، لتبحث عن مسقط رأس جدها الثاني.

حفيدتي سارة انا مضطر لابلاغ محاكم التفتيش عن وجودك في بيتنا، لكن لا تخافي ولا تحزني ستبقين حرة في وطنك الاردن، لا زال هنا من يرفع الهامات عالية، لقد سمعت نفر منهم يتعاهدون بان تسهر عيونهم ليحموا غفوة نومك.

قبل ان يقع الفاس بالراس اناشد العقلاء كما الجهلاء ان يحكما الدين والعقل فالطوفان قادم.