يحدث في الأردن حصريا

اتصل بي الصديق الكاتب، إسماعيل أبو البندورة، قائلا بحرقة ولهفة: أخي أبا عمر أتحدث معك الآن بصفتك رئيس لجنة الحريات العامة وحقوق المواطنين في مجلس النواب. واضاف: ان موضوع مكالمتي هذه هو بشأن اعتقال أخي المهندس ضرار منذ نحو أسبوعين. نحن قلقون جدا عليه ولا نعرف اين هو ولا نعرف مصيره.

قلت له: سأجري اتصالاتي وسأرجع اليك.
التقيت مع الزميل النائب مفلح الرحيمي مقرر اللجنة وناقشت معه أمر ضرار واتفقنا ان نلجأ الى الطريقة الأردنية في مقاربة المشكلات.
اتصلت مع سميح باشا البطيخي مدير المخابرات العامة وطلبت منه موعدا عاجلا لي وللاخ مفلح الرحيمي لمقابلته شخصيا. كان ذلك يوم الخميس. رحب الباشا بالطلب وسألني عن موضوع المقابلة فقلت له مداعبا: هل هذا يعني ان مكالمتي مع الرفيق إسماعيل أبو البندورة لم تكن مراقبة ولا «متابعة». قهقه وقال: «اللي زيك و زي الرفيق إسماعيل، الناس المحترمة الناضجة، لا نراقبها يا رفيق محمد» احنا بنراقب الحاقدين على البلد!!».
تأملت مفردات الرجل المنتقاة على «الطبلية». اذن الرفاق لا يخضعون للمراقبة!. بل يحظون بالثقة. مياه كثيرة سالت من تحت الجسر. تغيرات كثيرة جرت. نحن «تدسترنا» والدائرة «تغيرت» وأصبحت تطمئن الينا ولا تتوجس خيفة منا.
كان ذلك قبل 20 عاما أي في العام 1997 .
جاء الرفيق القومي إسماعيل أبو البندورة صباح يوم الاثنين الى مجلس النواب حسب الموعد. وانطلقنا بسيارتي الى دائرة المخابرات العامة في الجندويل، مفلح وإسماعيل وانا.
استقبلنا الباشا بترحاب حار. افتتحت الحديث وقلت: عندما يقول لي احد الأصدقاء «كيف صحتك» فانني أقول له إسال سميح باشا فهو يعرف عن صحتي اكثر مني!! طلبت، بعد «جوز الكلام ومفتاح الهرج» الودي من الرفيق البعثي التقدمي إسماعيل ان يتحدث.
شكا إسماعيل من اختفاء ضرار لمدة أسبوعين وآثار ذلك على اسرته وقال انه يريد فقط ان يرى ضرارا. قاطعته قائلا: نحن لم نتفق على ذلك. نحن دخلنا الى هنا ثلاثة وسنخرج من هنا ورابعنا ضرار.
ابتسم الباشا وقال: أخي أبا عمر لم يتم بعد، استكمال التحقيق مع ضرار. وموضوعه سهل ان شاء الله.
في الاثناء دخل ضرار بصحبة احد المحققين.
لم نكن للان نعرف تهمة ضرار فسألت عن تهمة المهندس ضرار فرد المحقق بعد ان تلقى إشارة من عيني مديره: اسألوه. الأخ ضرار خطب في احدى الندوات بإربد داعيا الى انهاء الحكم الملكي وضم الأردن الى العراق.
قلت: أما والتهمة هذه، وليس فيها سلاح ولا خلايا ولا انقلاب، فانني ارجو ان تسمح لنا باصطحاب ضرار معنا.
اعرب سميح الباشا عن استغرابه من طلبي ومن الحاحي عليه وقال: مش هيك بتنحل القضايا. اعدكم ان يتم الافراج عنه بعد استكمال التحقيقات.
قلت: والله وراس سيدنا انني لن اخرج من هنا الا ومعي ضرار.
قال الرجل مدهوشا: قصته بدها عدة أيام.
قلت: سأنام عندكم هنا هذه «العدة أيام» ولن تبخلوا عليّ خلالها بالفول واللبنة والمرتديلا والباميا والفاصوليا.
قال: ما بمشي الحال.
قال مفلح: اتفقنا على حل القضية على الطريقة الأردنية باشا.
تحدث المدير على خط داخلي قائلا: جهزولي اخلاء سبيل المهندس ضرار أبو البندورة. وأضاف: نعم الآن الآن.
مرت نحو 15 دقيقة تحدثنا فيها عن مجلس النواب واذا بضرار يقف منتصبا على الباب يحمل كيس حاجياته ويقول: اسمح لي بطلب وتعليق يا باشا. وأضاف: ارجو ان تسمح لي بوداع الضباط الذين حققوا معي.
اندهشت كليا. كنت اظنه سيشكو معذبيه ومنتقصي كرامته فإذا به يريد أن يشكر. قلت: يا ضرار دعنا نغادر قبل ان يغير الرجل رأيه. ولاحقا تزور الدائرة وتشكر من تريد ان تشكر.
غادرنا بعد نحو ساعة دائرة المخابرات العامة ومعي في سيارتي المهندس ضرار أبو البندورة سالما غانما. دعانا معالي مفلح الرحيمي على غداء احتفائي فقلت: أولاد ضرار واسرته أولى بالاحتفاء والاحتفال. وغادرانا، إسماعيل وضرار الى الرمثا وساحة مجلس النواب لا تسعني من الفرحة.
يحدث هذا في الأردن، حصريا.

التعليق