خندق أعداء الصحافة

لم يحرج وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الزميل طاهر العدوان باستقالته حكومة الدكتور معروف البخيت فقط، بل دق المسمار الأخير في جسدها الذي تحاصره الأزمات من كل صوب. استقالة العدوان كشفت بشكل واضح أن شعارات الحكومة بدعم حرية التعبير والإعلام لا تقترن بالأفعال، وأن جديتها بالإصلاح السياسي لم تعد تقنع أحدا، وأن قدرتها على الاستمرار في ظل معركة أكيدة مع البرلمان ومعركة محتومة مع الإعلام أمر مشكوك فيه.
انتصر العدوان لقناعاته ومبادئه، ورفض أن يستخدم بيدقا لضرب الحريات الإعلامية، وأماط اللثام في وقت حرج عن مخطط الحكومة لسن تشريعات مقيدة للحريات الصحافية ضاربة عرض الحائط بكل الوعود والضمانات بتوسيع هامش الحريات. والأدهى من ذلك أن الحكومة تنقلب على استراتيجيتها الإعلامية التي وعدت بمراجعة التشريعات الإعلامية لخلق فضاء قانوني يتواءم مع المعايير الدولية.
والتساؤل المشروع: لماذا تتجرأ الحكومة على تقديم مشاريع قوانين للبرلمان تتضمن عقوبات سجن للصحافيين وغرامات مالية مغلظة في زمن الثورات الذي كان الإعلام الالكتروني والفضائيات ومواقع التفاعل الاجتماعي اللاعب الأبرز فيها؟
 لن أقتنع بأي كلام عن الإصلاح تتحدث عنه هذه الحكومة، ولن أشارك في حوارات تدعو إليها، فلقد استنزفوا جهدنا باجتماعات للإعداد للاستراتيجية الإعلامية، وقبل أن ندير ظهورنا انقلبوا وأجهضوا ما أرادوا ترويجه للعالم بأنه كسب ونصر كبير للحريات!
وأسأل مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام والاتصال السيد أمجد العضايلة الذي اتصل بنقيب الصحافيين ليؤكد أن الرؤية الملكية لا تقر أي قيود على حرية الإعلام أو عقوبات بالسجن: لماذا لا تلتزم الحكومة بتوجيهات جلالة الملك؟!
لم نطلع على تفاصيل مشروعي قانوني المطبوعات والنشر والعقوبات، ولكن ما أشار إليه الوزير العدوان في اتصال معه، أن هناك تعديلات شاملة تمكن الحكومة من حجب وإغلاق المواقع الإخبارية الالكترونية، وهي المستهدفة أولا في حزمة التعديلات القانونية.
لا أستغرب أن تفعل حكومة البخيت ذلك بعد محاولات متكررة لتأديب المواقع الالكترونية، والنتيجة كانت الفشل لأن القضاء كان منصفا ومساندا لحرية الإعلام.
يكفي أن نطالع مشروع قانون هيئة مكافحة الفساد لنعرف مدى التغول الذي تريده الحكومة على الإعلام. وقراءة نص المادتين 23 و25 من مشروع القانون تؤكد بشكل واضح أن الهدف هو تكميم الصحافة.
"فكل من أشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق يعاقب بالسجن ستة شهور وبغرامة لا تقل عن ألف دينار، ولا تزيد على خمسة آلاف دينار". وفي المادة 25 يعاقب كل من أفشى معلومات متعلقة بهوية أو بأماكن وجود المبلغين أو الشهود أو المخبرين أو الخبراء بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف دينار.
وهذا يعني أن أي صحافي يخطئ في نشر معلومات عن فساد محتمل سيتعرض للسجن والغرامة، وأيضا كل من ينشر معلومات عمن يبلغ عن قضايا فساد أو شهود قدموا إفادتهم فإنه سيتعرض لعقوبة السجن والغرامة.
الحكومة فتحت معركة مع الإعلام هي في غنى عنها، وحتى لو تراجعت، فإن هذا لن يحسن من صورتها عند الصحافيين، فنحن لم نعد نثق بنوايا الحكومة، فقد وضعت نفسها في خندق أعداء الصحافة.