فوق القانون.. تحت القانون!

مرّت الانتخابات، مجملاً، من دون خروقات كبيرة، أو شكاوى حقيقية، تحديداً فيما يتعلّق بتدخل "الحكومة" لصالح مرشّحين، أو ضد آخرين، بعينهم، ما أعطى الانتخابات البلدية والنيابية مصداقية كبيرة ومهمة، وهو ما يسجّل للدولة والحكومة بدرجة رئيسة، وللهيئة المستقلة بدرجة أكبر، وهي التي عملت من أجل الوصول إلى انتخابات "نظيفة" لمحو تأثير ما حدث في انتخابات سابقة، ما ضرب مصداقية الانتخابات وسمعتها، إلى أنّ بدأنا بالتعافي من تلك الصورة السلبية المدمّرة.

    هنالك حضور مهم للمجتمع المدني في مراقبة الانتخابات، لكن الشهادة الأكثر أهمية التي حصلت عليها الانتخابات من المعارضة نفسها، ونقصد هنا الحزب الأكبر وهو حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي أصدر بياناً شهد فيه للهيئة المستقلة بالنزاهة والعمل النظيف المحايد، مبيّناً نسبة ما حصل عليه من مقاعد على صعيد الانتخابات البلدية (41 مقعداً في البلدية، منها 5 مقاعد في عمّان، ورئاسة ثلاث بلديات منها بلدية الزرقاء، واللامركزية (25 مقعداً)، وفوز 11 امرأة مع قوائم الحزب).

    وهي نتائج جيّدة عموماً للحزب، تؤّكد على أنّه ما يزال يتمتع بكفاءة على حشد القواعد والتأثير في الشارع، وإن كان ذلك أقل عمّا سبق، لكنّه جيّد في ضوء الأزمات والانشقاقات والصدمات التي مرّ بها الحزب (وجماعة الإخوان المسلمين الأمّ) خلال الأعوام الأخيرة.
    في المقابل ما يستحق التوقف عنده مليّاً، ليس على صعيد موقف الهيئة المستقلة للانتخابات، التي قامت باتخاذ الإجراء القانوني والإداري الصحيح بالكشف عن التجاوزات، بل بعبارة أدق انتهاك حرمة العملية الانتخابية في البادية الوسطى، بل على صعيد آخر وهو السياسي، والقانوني والأمني، مع تكرار المشهد نفسه الذي حدث في الانتخابات الماضية، العام الماضي، في الانتخابات الحالية.
     لأنّ ما حدث في الانتخابات الماضية تم تمريره والسكوت عليه، بحجج قانونية وذرائع من قبل الحكومة، وبعض الآراء داخل الدولة، تمثّلت بالمواعيد الدستورية، فإنّ عدم معاقبة من قاموا بذلك الفعل، خلق شعوراً بأنّ القانون غائب تماماً هناك، وأنّ هنالك من هو فوق القانون ومن هو تحت القانون، فحدث الهجوم على الصناديق، بل على هيبة الدولة وسمعتها وسمعة القانون وعلى مصداقية الخطاب الرسمي عموماً.

    بالضرورة، نتفق مع الدولة في أنّنا لا نريد أن يطغى ما حدث في دائرة صغيرة، على مجمل العملية الانتخابية، التي جرت بصورة جيّدة عموماً، لكنّنا لا نريد أن نقلل من الجانب الرمزي والسياسي والقانوني لهذه الأحداث المؤسفة، ولا أن نعطي مؤشرات خطيرة بأنّ هنالك من يمكن أن يكون فوق القانون وأن يتحدّى الدولة، ففي حال لم يكن الردّ قوياً ورادعاً وحاسماً، فإنّ كرة الثلج ستتدحرج مستقبلاً، وسنجد نسخاً من هذه الظاهرة في صور أخرى في مناطق ومحافظات أخرى!

     الخطأ الفادح كان بالسماح، بدايةً، من قبل الدولة بحدوث ما حدث في الصناديق، مع وجود أسبقيات، لكن الخطيئة الكبرى بتمرير ما يحدث من دون درس قاس للجميع، هنا من الضروري أن تظهر الدولة أنيابها وليس مع المعارضة السلمية.

     الدلالة المهمة التي من الضروري التقاطها هو التحوّل في طبيعة التهديدات والتحديات، فلم يعد وجود حزب معارض هو الخطر الكبير، بل ربما هذا الحزب يساعد على إعطاء الانتخابات مصداقية ويعزز نسب الاقتراع، ويساعد الدولة على إدماج نسبة كبيرة من الناس في اللعبة السياسية والانتخابات، لكن الخطر هو في التنمّر والتمرّد على الدولة، وفي اهتزاز قيم سيادة القانون وهيبة الدولة في مواجهة تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة؟