السياسة الإعلامية الناجعة ضرورة لا ترف



اتبعت أغلب حكوماتنا سياسة إعلامية فاشلة، وكانت النظرة الغالبة للإعلام تقوم على تلقين الناس بما تريد الحكومة إعلانه دون نقاش أو السماح للآراء البديلة، اعتمادا لمبدأ خير الكلام ما قل ودل. وللأسف، كانت السلطة التنفيذية، وما تزال، تعطي معلومات خاطئة أحيانا في محاولة لتحويل النظر عما حصل واعتقادا منها أن من شان ذلك خداع المواطن. لهذه السياسة التقليدية اسم في عالم الإعلام، يدعى "بروباغاندا" وليس إعلاما، وقد ثبت في عالم اليوم أن الزمن قد عفا عليه.
السياسة الإعلامية الحديثة تقوم على أساس الصدق في المعلومة، والتواصل المستمر والمنتظم مع الناس، والحوار الذي يسمح بالاختلاف، والسماح للآراء المختلفة والمخالفة التعبير عن نفسها بحرية، وعدم البخل في تقديم المعلومة المفصلة لشرح وجهة نظر الحكومة. وفي ظل عصر التكنولوجيا الذي يتيح للناس الوصول إلى ما يريدونه من معلومات، لن يكتب النجاح لأي سياسة أخرى. كما أن المعلومات التي يثبت خطؤها تضعف من ثقة الناس بالحكومة فلا يعودون يصدقون أي معلومة تعطى لهم ولو كانت صادقة، وفي جميع المواضيع السياسية والاقتصادية.
للأسف، فإن العديد من أعضاء السلطة التنفيذية لا يدركون أساسيات العمل الإعلامي، فيتفهلوون بالمعلومة معتقدين أن المواطن ساذج يصدق ما يعطى له.
أما رؤساء الوزارات والوزراء، فأغلبهم يعتقد أن الإعلام محرقة يجب الابتعاد عنها. وما أزال أذكر ما قيل لي من عدة مسؤولين عند تولي وزارة الإعلام العام 1996 أن الإعلام محرقة لأي وزير، ولم أجده كذلك إن تتبع المسؤول سياسة انفتاحية مع الناس. فإن لم تعلمنا تجارب العقود السابقة خطأ السياسة التقليدية الإعلامية، فهل نعتبر من تجربة قضيتي الجفر والسفارة الإسرائيلية، أن المعلومة الصادقة في حينها أنجع سياسة إعلامية؟
نمر اليوم بأزمة اقتصادية خانقة بات يعرفها القاصي والداني، تتطلب إجراءات صعبة للغاية في المرحلة المقبلة، خصوصا مع انحسار المساعدات الخارجية وانخفاض حوالات العاملين. وأنا أتفهم وأقدر صعوبة مهمة وزير المالية والجهود المضنية التي يقوم بها لِلَجْم الدين العام وخفض عجز الموازنة. ولكن هذه الجهود لا تكفي إن لم يصاحبها جهد إعلامي منتظم يشرح الحالة الصعبة للناس بشكل شبه يومي، ويتقبل الانتقادات بكل رحابة صدر، ويستمع ويناقش الحلول البديلة.
لقد وصلنا إلى مرحلة باتت فجوة الثقة عالية بين المواطن والدولة. وهي فجوة تراكمية تتشارك فيها جميع الحكومات، بما فيها الحكومات التي اشتركت بها. لذا، فالمهمة صعبة، ولكن لا بديل عنها. فالمواطن في نهاية الأمر يقدّر الصراحة، وفي حينها، ومستعد للمشاركة في تحمل العبء ما دام يشعر أن السلطة التنفيذية تحترم عقله وتشاركه المعلومة والحقائق. ولن تستطيع الحكومة، أي حكومة، من تمرير قرارات اقتصادية صعبة دون إدراكها لأهمية هذا الحوار المنتظم واليومي والمضي به.
يبدو أننا فقدنا القدرة على مثل هذا الحوار وتقبل النصح. لا أرى حوارات فاعلة ومنتظمة لا مع مجلس النواب ولا مع المجتمع. وباتت السلطة التنفيذية تتوقع إما تطبيلا أعمى لقراراتها، أو نعت المخالفين بالسلبية والمناكفة.
سياسة تجنب الاتصال مع الناس ليست سياسة ناجعة، وستفاقم من صعوبة اتخاذ القرارات. لا تحتاج الحكومة "لبصّيمة"، بل تحتاج لحوارات واتصالات مباشرة وشرح يومي للصعوبات. بدون بناء جسور من الثقة، لن يكتب لأي سياسة النجاح مهما كانت ناجعة.