ماذا ينفع ترامب إذا خسر في الداخل؟


 

 

من فنزويلا الى كوريا الشمالية مروراً بمنطقتنا، يخوض الرئيس الاميركي دونالد ترامب حروباً متزامنة وبالجملة، علماً ان حرباً واحدة منها كافية لاثارة القلق والانشغال في ادارته.

 

 

ولا يبدو الرئيس الاميركي مستعداً للمساومة او التراجع، او على الاقل لم يسبق اختبار مدى براغماتيته في المجال السياسي الذي لا شك يختلف عن تجربته في عالم المال والاعمال.

 

 

لم تكن دول اميركا اللاتينية مجتمعة مؤيِّدة بحماس للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي يتعين الاعتراف بأنه لا يملك كاريزما وحضور سلفه الراحل هوغو تشافيز، لكن هذه الدول اجتمعت على رفض المساس بالنظام في كراكاس عندما هدد ترامب بتدخل عسكري ضده.

 

 

كذلك الامر لم تكن الصين تبالي كثيراً بموقف كوريا الشمالية من الاميركيين ولا موقفهم منها، عندما اختارت السير في طريق تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة بما يعود عليها ذلك من فوائد تجارية، لكن بكين رفضت مقايضةً قوامها المحافظة على علاقاتها مع واشنطن في مقابل ممارسة ضغط على بيونغيانغ للتراجع عن برامجها العسكرية. ورفض المسؤولون الصينيون الخلط بين علاقة بلادهم بالولايات المتحدة وعلاقة الاخيرة بكوريا الشمالية.

 

 

لا يعني ما تقدم ان السياسة الخارجية للادارة الاميركية محكومة بالفشل، بل على العكس، فإن صعوبة الملفات، بما في ذلك تلك المتعلقة بإيران وسورية والارهاب وغيرها في هذه المنطقة، تؤكد جدارة المسؤولين الاميركيين الحاليين وقدرتهم، لجهة تعاطيهم مع اكثر من مشكلة، فيما كانت الادارات السابقة تجنح الى عدم التعاطي مع اكثر من ازمة في وقت واحد، وكانت بالتالي ترفع حرارة احداها وتخفضها بالنسبة الى اخرى لكي تتفرغ لمعالجة قضية واحدة، وتكتفي بادارة بقية الازمات ريثما يحين دورها.

 

 

في الوقت ذاته، لم يكن وارداً في حسابات أي ادارة، بما فيها الحالية، انه سيتعين عليها التعاطي مع ازمة داخلية كالتي نشأت في فرجينيا قبل ايام، وتقتضي التفرغ لها وترك كل شيء آخر.

 

 

ماذا ينفع الانسان اذا كسب العالم وخسر نفسه؟ وبالتالي ماذا ينفع اميركا اذا كسبت كل حروب الخارج وخسرت ذاتها؟ والمقصود هنا وحدة البلاد وتماسكها واستقرارها الاجتماعي، كلها قضايا باتت على المحك، بعدما سلطت احداث تشارلوتسفيل نهاية الاسبوع الماضي الضوء على هشاشة التماسك الاجتماعي واثارت قلقاً جدياً على السلم الاهلي.

 

 

هنا تكمن ابرز مهمات الرئيس الاميركي وتبرز خطورة فشله. انتظر معظم الاميركيين ان يبادر ترامب الى ادانة العنصريين ودعاة التفوق العرقي للبيض ومجوعات اليمين المتطرف مثل «كو كلوكس كلان» واولئك الذين حملوا اعلاماً نازية على مرأى وسائل الاعلام في تشارلوتسفيل، لكن الرئيس اخطأ للوهلة الاولى بتردده في ادانة هؤلاء بصراحة واكتفائه باستنكار العنف اياً يكن مصدره، ما اوحى انه يريد ان يساوي بين الضحية والجلاد، أي بين المتطرفين اليمينيين الذين بادروا الى العنف واولئك الذين تظاهروا ضدهم.

 

 

ترامب دان السبت ما وصفه بـ «الاستعراض الفظيع للكراهية والتعصب والعنف من جانب أطراف كثيرة»، لكن البيت الأبيض اضطر الى استدراك الامر في بيانٍ الاحد شدد فيه على ان «الرئيس قال بقوة إنه يدين جميع أشكال العنف والتعصب والكراهية، وبالطبع يشمل ذلك المتشددين البيض وكو كلوكس كلان والنازيين الجدد وكل الجماعات المتطرفة».

 

 

أسباب تردد ترامب شرحها المتطرفون بتذكيره بأنهم أعطوه أصواتهم، ويبقى على الرئيس ان يختار الاسلوب الكفيل بطمأنه الجميع، خصومه وانصاره. فهل يفعل ويخوض امتحان إعادة بنجاح؟