هل انتهى القطاع العام؟


ما زال بيننا بقايا للمحافظين القدماء، تدافع عن قطاع عام تعتقـد أنه أوشك على الزوال، وعن دولة (حكومة) تعتقـد أنها تخلت عن دورها الاقتصادي لمجرد أنها تخلت عن التورط في ملكية وإدارة عدة شركات لمجرد أن الحكومات لا تحسن إدارة الصناعات الاستخراجية أو السياحية وتفضل أن تعطي الخبز لخبازه وتتفرغ لمهمتها الأساسية في التقنين والإشراف ومنع الاحتكار علماً بأن تلك الشركات كانت مزرعة للمحاسيب ومناصبها جوائز ترضية!.

التحول إلى القطاع الخاص ليس بدعـة أردنية، فهو موجود في كل أنحاء العالم حيثما توجـد عملية إصلاح اقتصادي، فالمعسكر الاشتراكي الذي شبع من ملكية وإدارة الإنتاج تحول إلى القطاع الخاص، والصين الشعبية تركت العمليات الإنتاجية والتسويقية لرجال الأعمال، بل إن الدول المصدرة للنفط أخذت تعرض رخص الاتصالات للبيع بالمزاد العلني.

على العكس من ذلك فإن التحـول الحاصل في الأردن بهـذا الاتجاه محدود جـداً لأن الأردن لم يكن يوماً دولة اشتراكية، فكان القطاع الخاص موجوداً طيلة المـدة، حتى في عهد حكومات السـيد مضر بدران بطل القطاع العام الذي تحول بدوره إلى رجل أعمال ناجـح.

في أقصى درجات سيطرة الحكومة على القطاع الاقتصادي كانت حصة المؤسسات الإنتاجية التابعة للحكومة في حدود 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد انخفضت الآن إلى النصف، أي أن عمليات التخاصية لم تؤثر سوى على مصادر 7% من الناتج المحلي الإجمالي، مما لا يشـكل انقلاباً اقتصادياً أو ثورة اجتماعية.

القياس الحقيقي لأهمية القطاع العام هي حصته من الإنفاق، وتدل الأرقام على أن نفقـات الحكومة المركزية تشـكل ثلث الناتج المحلي الإجمالي، فإذا أضفنا إلى ذلك حصص مؤسسات القطاع العام الأخرى، أي المؤسسات العامة ذوات الموازنات المستقلة، والبلديات، والجامعات الرسمية، ومؤسسة الضمان الاجتماعي، والبنك المركزي، فإننا نجد أن القرار الرسمي ما زال يتصرف بأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، فكيف يقال أن القطاع العام تخلى عن سلطته واختصاصه وحقـه في اتخاذ القرار الاقتصادي.

مهمة الحكومة ليست أخذ قرارات تفصيلية ومباشرة على مستوى الأفراد والشركات، بل إدارة الاقتصاد الكلي وتأمين الحوافز الإيجابية والسلبية، فالاقتصاد الكلي هو عجلـة القيادة التي كانت وما زالت تمسك بها الحكومة وقطاعها العام.