الأردن.. «فوق وتحت»!


إذا كان للأردن من فُرصة يستثمرها لإعادة قِطاره الاقتصادي إلى السكّة، فهي في هذا الوقت بالذات، ودون إبطاء، ولكنّنا نسمع، كالعادة، وحتى بعد لقاءات الملك التي يركّز فيها منذ شهرين مع المسؤولين على الاستثمار، بل يقسو عليهم بكلماته، نسمع الوعود وراء الوعود، والشعارات وراء الشعارات، فكأنّنا نسمع معها الجعجعة بلا طحن، ولا نرى طحيناً بالضرورة!
وصرنا نعرف، الآن، أنّ ما سمّي بالربيع العربي كان شرّاً مستطيراً على العرب، ومع ذلك فقد مرّ منه الأردنيون مرور الكرام الذين راقبوا واتّعظوا ولم يشاركوا، وصرنا نعرف أكثر وأكثر أنّ الحروب الأهلية عند الجيران بلغت حدود البلاد، ولكنّ الأردن حافظ على نفسه واحداً موحّداً، قادراً على الاستمرار، ومُهيئاً للازدهار.نفترض أن مؤسسة "غالوب” الأميركية هي الأفضل والأكثر مصداقية في حسابات التصنيفات العالمية، وهي تقول إنّ الأردن يقع في المرتبة التاسعة بين المئة والخمس وثلاثين دولة الأكثر أمناً في العالم، وتؤكد أنّه حصل على علامة ٨٩ من أصل مائة.
في حسابات الثانوية العامة (التوجيهي الأردني)، هذا يعني أنّه قادر على دخول أكبر كليّات الاقتصاد في العالم، فلا يسبقه سوى الكبار في النجاحات الاقتصادية، وفي حسابات المستقبل فهذا يجعله مُرشّحاً حقيقياً للتقدّم، فالدول التسع التي تسبقنا تُحقّق أعلى معدّلات النمو، والغريب أنّ كثيراً ممّا نسبقهم في البيئة الاقتصادية والمجتمعية الآمنة يسبقوننا في النمو!لكنّ، معادلاتنا في الأردن، غريبة، عجيبة، ومريبة، وتكاد تصرخ مُعترضة، وأصابعها مرفوعة في وجه الخلل الذي هو بَيّن وواضحٌ، كما بين الحلال والحرام، فنحن بلد آمن مستقر، تحكمه "قيادة عليا” حريصة، ويضمّ شعباً أميناً على نفسه، مبتكِراً خَلاقاً قادراً على الوجود بين الكبار، وهذا ما يحسدنا عليه كثير الكثيرين، ولكنّ ما بين "فوق وتحت” تأتي الكبائر من المثبطات، والكثائر من شدّ الحبال إلى الوراء.
الآن، في تقديرنا، هو الوقت المناسب لاعادة الإنتاج فهناك المليارات من الدولارات التي نعرف أنّها تُريد أن تصل إلى الأردن، ولكنها تخشى الفساد، وتخاف من البيروقراطية، وترتعب من أصحاب السطوة ومراكز القوى الذين لم يشبعوا بعد من حلب بقرة الوطن، ولن يشبعوا إلاّ إذا ضمّتهم السجون، أو في القليل: عادوا إلى بيوتهم، واحتلّ مكانهم الناس الحقيقيون، ولعلّ للحديث بقية!