سهرة مع الشهيد وصفي التل
نعم انها سهرة حقيقية مع شهيد الوطن والواجب وصفي التل امضيتها الليلة الفائته من عمري ولن انساها لروعتها واعتبر نفسي محظوظا ان اتيحت لي مثل هذه الفرصة الثمينة .فبعد يوم عناء وتعب شأني كأي اردني في ايامنا هذه رميت برأسي المليئة بالمشاكل والافكار الجميلة والسوداء على حد سواء على مخدتي ملتمسا منها السماح لي بقسط من الراحة لاستيقظ ليوم كد جديد.وما اطبقت عيناي حتى واذا بي احلق في عالم جميل في سهول حوران الاربدية ارى الفلاجين يحصدون الزرع ويجمعونه كظفائر شقراء روسية والنشميات يحملن في صواني القش على رؤوسهن فطور الحصادين الذي شممت منه رائحة خبز الفرن الطابون والبصل وطفلة تحمل جودا من الماء الذي عرفت فيما بعد انه من بير الدار ومن ماء المطر وشاب يحمل زكرة فيها الشنينه التي للتو تم الانتهاء من خضها بالشكوة وفيها كتلة من الزبدة ،اما صينية القش التي انزلتها النشمية منادية باعلى صوتها يا الله ع الميسور ففيها بيض من جاجات الدار ولقن برغل وطاسة رشوف وابريق زيت من زيتونات الحاكوره وكم راس بصل من الخله حسب قول النشميه .وما هي الا لحظات واذا بلوحة اتمنى ان تبقى مدى الدهر في مخيلتي لروعتها ،الرجال يتصبب العرق من جباههم يلتفون حول اللقن يتناولون فطورهم بشهية يشربون الشنينه مع تفغيش البصل وخبز القمح الذي عجن بايادي نشميات الدار وانخبز بطابون الدار صورة يتمناها كل انسان ،مشهد كم هو رائع مع الحديث المتركز على الغله والبيدر السنه والخلاص من عجة القطانه يتبعه انطلاق من جديد للسواعد والجباه السمراء لمتابعة الحصيد قبل ما تشوب ويقيس الزرع.وفي غمرة هذه المتعة رايت من بعيد رجلا لا يختلف عن الحصادين الذين للتو افطروا يقترب مني يسألني :كيف الموسم السنه؟ وقفت لثوان انظر ليتأكد لي ان محدثي وصفي التل فسلمت مصافحا واجبت خير انشاء الله وها هم الرجال يحصدون ما زرعوا لاطعامنا وكسوتنا فهز برأسه وقال اللي بزرع بحصد وبسد حاجته وما بحتاج حدا،هذا هو زمانا الواحد فينا يصحى من الفجر وبعد الصلاة يروح على الارض يفلح ويزرع عشان هاليوم هذا اللي بنحصد فيه وبنخزن بالكواير المونه للسنه من قمح وبرغل وعدس وفريكة وبكره جاينا الصيفي تنشيف الباميه والبندوره للشتويه لانه طبيخ البرغل مرات بده مية بندوره فبيكون بالبيت البندوره الناشفة بتنشاف للطبخه اطيب من دبس البندوره،بعدين شايف واشار لي الى سفح جبل قريب هناك قطيع الغنم والماعز بعد ما يخلصوا الحصيده بتركوها ترعى العقير يعني ما فيه شي رايح عبثا والا كيف بدنا نعيش؟فالتفت الى الراعي الذي كان يلعب على الشبابه بالحان ريفية تعبر عن الاغنية الوطنية الجميلة واذكر ان اللحن كان (بين الدوالي)وكم طربت لهذا العزف الجميل وتابع وصفي الحديث بالقول :هسع بعد الحصيدة والبيدر على خير راح يبدأ موسم التدوير للزيتون لموسم الزيت ع العايش انشا الله وبعدها الحراث والفلاحة والتعشيب يعني طول السنه شغل متواصل ،فقاطعته لاسأل ومتى الراحة اذا؟فابتسم واجاب الراحه عندنا في سقية البساتين تحت شجر الرمان والليمون وايام الدوالي والصبر والتين لما بنسري من الليل على الندى نلقط الصبر والعنب للاولاد في هذه الاثناء بنرتاح وبالليل بنسهربالمضافةعلى الربابه والقصيد والهجيني بتعاليل وهرجه واخر الليل قدر بحته محلى وخيط سمن.سواليفنا كلها عن الموسم وكيف بدنا نكثر الحلال واللبن والسمن ونكبر البيدر ونبني قريتنا ونحصنها من ايام المحل والعاديات اللي ممكن تصير .من استغرابي لما يقول عرف بانني من عصر اخر فاجبته بنعم اني من العصر الحالي ومن زمن الحضارة الجديده وقلت انه امبارح سمعت من السفير الاوكراني انه ناويين نفتح مصنع للبرغل في اوكرانيا فابتسم وتابع :هناك الكثيرون من الجيل الحالي يذكرني بالخير ويثني على خطواتي وتاريخي ومنكم من يتغنى بعهدي ويتمنىاني ان اكون موجودا لاصلح ما افسد وابني ما دمر واضع الخطط لبرامج تنمية لبلد تحولت سهوله الى اكوام من الحجارة ومؤسساته بيعت او اجرت وشعبه صار اتكاليا وتبعيا فيا ليت ان تخبر اولئك المتشدقين بان الوطن فيه الالاف مثلي وعنما ولدت وكنت كان الوطن بمليونين او اقل ووجدت الكثيرين مثلي فكيف لا يجدون اليوم وعددكم فاق الملايين الستة؟فها هو وصفي في السهل مع الراعي والفلاح يشارك سهرات المضافة للتداول بشأن الموسم يسمع للراعي وهمومه بعيدا عن كرسي وطاولة الزان ومديري المكاتب والسكرتيرات والسواقين والخدم ،انا اقوم على خدمة اهلي وناسي وقريتي مش هم ،نأكل من خبز فرن الدار والصاج وبتعشى البحته بالسمن ومابستنى العشاء من مطاعم العاصمة، اولادنا بالسهل ورا الحصادين بلقطوا وبالليل معازيب بالدار للضيوف مش بالنوادي ،بعدهم بركبوا الحمار والبغله مش سيارات الجيب بالنمر الحمرا،كل واحد من مسؤليكم ممكن يكون وصفي لو بس قدر يتنازل عن البريستسج تاعه ويؤمن ان البلد بلده وللجميع وعليه مسؤلية خدمته وما يعتبره مزرعة وفرصة للتكسب والاثراء بضربة مقفي.خليهم ينزلوا على الارض بين اهلهم وناسهم يوكلوا من خبز ارضهم وعرق جبينهم ،ترى مش مطلوب كثير لحتى تصير وصفي انتمائكوا الحقيقي للارض هو سر ان تكونوا جميعكم وصفي .واخيرا اتمنى ان تنقل طلبي ان يكفوا عن التغني بوصفي بالمحاضرات والندوات التي اشكرهم عليها ويباشروا بالعمل والسير بنهجي ان ارادوا مرضاتي لانني احببت الاردن واحبه حتى في مماتي ،وعندها ايقنت انني في حلم ولو كنت اعلم من قبل انه حلم لجعلت من ليلتي كلها حلم ولكنني افقت مبتسما.