تفوق الإناث بالتوجيهي ... وتفوق الأردن بالأمان



أعلنت وزارة التربية والتعليم نتائج امتحان "التوجيهي" بعد أن شهدت الأشهر الماضية نقاشات موسعة عن توجهات الوزير عمر الرزاز لإنجاز حملة إصلاحات واسعة وجذرية في بنية التعليم وتوجهاته وآلياته، وهو ما يتوقع أن يبدأ فعلياً في العام الدراسي القادم.
لن نعود لمناقشة "رعب التوجيهي" فلقد أشبع بحثاً والوزارة تدرك آليات التغيير، ولكن اللافت هو التفوق الكاسح للطالبات الإناث في امتحان الثانوية العامة.
لن أستخدم نتائج تفوق الاناث لأدلل على تفوق "جيني" عند الإناث، فهذا "تخريف" يناقض العلم والمنطق، وإنما سأدلل بهذه النتائج على تهافت الطرح الذي ما يزال ينظر إلى النساء بأنهن "ناقصات عقل"، ويستخدمها لممارسة عملية إقصاء للنساء وسيطرة واستبداد ذكوري.
تؤكد نتائج التوجيهي لهذا العام وفي أعوام سابقة تفوق الإناث وتقدمهن في التحصيل العلمي، واكتساحهن كل أو غالبية المراكز الأولى، وهذا الأمر يدعونا للتدقيق في أزمة تراجع الذكور في الإنجاز والإبداع في مدارسنا الحكومية تحديداً والخاصة أيضاً.
أكثر من مرة كُتب وأُجريت دراسات على أن المعلمات في المدارس أكثر التزاماً في العملية التعليمية، ويبذلن جهوداً مضاعفة في تقديم المعرفة والمهارات للطالبات خلال الحصة الصفية، ويستمعن إلى مشكلات طالباتهن ويساعدن في تقديم الحلول، وهذا العطاء المميز ينطبق على مديرات المدارس اللواتي لا يسمحن بتسرب الطالبات من المدرسة، ويراقبن أداء المعلمات ويجتهدن ليل نهار لتفوق مدارسهن.
واستمعنا في الاتجاه الآخر روايات مناقضة عن حالة التسيب في الكثير من مدارس الذكور خصوصا الحكومية، وتراخي بعض المعلمين في الالتزام بالحصص الصفية وعدم إكمال المناهج وتوجه واهتمام بعضهم في "الدروس الخصوصية".
إذن تسعة إناث ضمن العشرة الأوائل في نتائج التوجيهي العلمي، واحتكارهن المراكز الأولى العشرة في الأدبي ليست ضربة حظ، وانما قضية تستحق الدراسة لتعظيم النجاح والتفوق في مدارسنا.
***
احتل الأردن المرتبة التاسعة في تصنيف الدول الأكثر أمناً في العالم للعام 2017 حسب تقرير لمؤسسة "غالوب" الأميركية لاستطلاعات الرأي.
حصل الأردن على 89 نقطة من مجموع 100 وفقاً لمؤشر "غالوب" للقانون والنظام العالمي وشمل 135 دولة ويقيس الشعور بالأمان على المستوى الشخصي وجوانب متعلقة بتطبيق القانون والجريمة.
دلالات هذا الاستطلاع مهمة جداً ويمكن للأردن أن يتفاخر بها نظاماً وشعباً، وعلى الحكومة أن تعمل على تسويقها دولياً، فقد تسهم في استرداد ثقة السياح الأجانب الذين يتجنبون زيارة الإقليم كاملاً منذ أحداث الربيع العربي.
نتائج الاستطلاع مهمة فهي تكشف أن الأردن المحاط بالحروب والنيران والإرهاب في العراق وسورية ما يزال قصة نجاح في الحفاظ على الأمن وشعور الناس بالاطمئنان والسلم الأهلي.
نتائج استطلاع "غالوب" أكدت مشاهداتنا اليومية، فعلى سبيل المثال احتكاكنا بالدبلوماسيين والمؤسسات الدولية يشير بوضوح لمدى شعورهم بالأمان، فهم يتحركون بلا قيود ويمارسون حياتهم الطبيعية، ويذهبون للمطاعم والمقاهي بلا تردد أو خوف.
على الحكومة أن تستثمر هذا الاستطلاع ليس على صعيد السياحة وتشجيعها عالمياً رغم ضرورة ذلك وأهميته، وإنما المطلوب تقديم الأردن كوجهة للاستثمار الآمن، فالعديد من رجال الأعمال عربا وأجانب ممن أُجبروا على الرحيل أو إغلاق عملهم ومصالحهم في دول تشهد نزاعات في المنطقة يبحثون عن البديل، وأحسنت الحكومة بمنح جوازات سفر للمستثمرين غير الأردنيين الراغبين بذلك، والأهم تذليل عوائق الاستثمار، والحد من البيروقراطية، ومزاجية بعض المسؤولين، وجشع بعضهم في الحصول على مكاسب ومغانم.