خلية الأزمة الفلسطينية الأردنية


أوضح وكيل وزارة الخارجية الفلسطيني ان خلية الازمة الفلسطينية الاردنية تهدف للتعامل مع الازمات المتفجرة في الضفة الغربية وعلى رأسها الازمة المتجددة في المسجد الاقصى الا ان السؤال المتبادر الى ذهن المراقب: هل سيشمل نشاطها ما هو ابعد من الازمة القائمة والمتجددة في المسجد الاقصى في ظل استحقاقات ضاغطة زمانيا ومكانيا على كل من الاردن والسلطة في رام الله بل الاقليم برمته؟
الاعلان عن خلية الازمة جاء بعد تصريحات لافتة للملك عبد الله الثاني تعكس طبيعة الهواجس الاردنية التي لا تبتعد كثيرا عن هواجس السلطة في رام الله التي تتجاذبها المحاور المتصارعة والمتنافسة؛ فأمريكا باتت غائبة عن المشهد الفلسطيني ومترددة ومرتبكة وهو ما كشفته التسريبات المتعلقة بكوشنر صهر ترمب مؤخرا.
الاهم من ذلك ان هذه الهواجس جاءت في وقت تشتد فيها التجاذبات القوية بين المحاور الاساسية والحلفاء المتشاكسين في ذات المعسكر ايضا، محولة عملية التسوية والسلام الأمريكي الى ورقة تتقاذفها رياح المتنافسين والمتصارعين؛ فمصر والامارات لها تفضيلات في الملف الفلسطيني ورؤى تقترب تارة وتبتعد أخرى عن الرؤية السعودية، والاهم ان المسار والنهايات الاستراتيجية الذي يفترض ان تبلغه عملية التسوية وفق المرجعية الامريكية والسلام الامريكي الذي اعقب الحرب الباردة وتوقيع اتفاق وادي عربة واسلو باتت بعيدة المنال وعرضة للتفكك والانهيار في ظل غياب المرجعية الامريكية.
فالمرجعية الامريكية في حالة تفكك وتشتت ويتجاذبها الاصدقاء والحلفاء والاعداء نحو تفضيلات لم تعد واشنطن بقادرة على مواكبتها، او التوفيق فيما بينها بما يخدم حالة الاستقرار ويحافظ على مفهوم السلام الأمريكي في المنطقة ومساره الذي تعثر في الوصول الى نهاياته الاستراتيجية وتحول الى تكتيكات فوضوية لا معنى لها.
فالاردن والسلطة يمران بمرحلة من الحيرة والقلق حول مستقبل العملية السياسية في ظل غياب المرجعية الامريكية الناظمة والضابطة إيقاع الصراع العربي الصهيوني؛ فالثغرات باتت كبيرة ودخول لاعبين مؤثرين بات حتمية سياسية في ظل تنامي النفوذ الايراني والتركي والروسي في المنطقة على حساب النفوذ الأمريكي والأهم من ذلك تصارع وتنافس حلفاء أمريكا وتصارعهم.
إذ كان لافتا تأكيد الملك عبد الله الثاني أهمية الدور الامريكي في عملية السلام كضابط ايقاع خلال لقائه يوم الاحد الفائت رئيس البرلمان ورؤساء اللجان؛ فالملك وبشكل غير مباشر من غياب الدور الامريكي قال: «إن مستقبل القضية الفلسطينية على المحك والوصول إلى حل يزداد صعوبة»، عازيا ذلك الى غياب المرجعية الامريكية على الارجح بالقول: «لن يكون هناك أي اختراق في عملية السلام، إذا لم يكن هناك التزام أمريكي بدعم التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية» فكل المشاريع والاجندات المطروحة ستتحول الى سراب.
وعزز هذه القراءة ما صرح به صائب عريقات في رام الله بالقول ان لقاء الملك عبد الله مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «ناقش ضرورة قيام الإدارة الأمريكية بتحديد الهدف النهائي لعملية السلام، ووقف النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية كافة بما يشمل مدينة القدس»؛ فالقراءة الاردنية والفلسطينية متقاربة في هذا الشان اذ تشير بوضوح الى ان حالة التدهور في الملف الفلسطيني تعزى الى تراجع وانعدام الفاعلية لدى الولايات المتحدة ممثلة بالادارة الامريكية الحالية؛ فأمريكا مثلت المرجعية التي صيغت على اساسها كافة مشاريع السلام واستمدت زخمها من قوة الدفع التي وفرتها واشنطن، وغياب هذه المرجعية وضعفها يعني تفكك هذه الاستراتيجية وتشتتتها.
فهل تتمكن خلية الازمة من ضبط ايقاع المشهد ووقف حالة التدهور الحاصلة في وخلق مرجعية ومشروع سياسي يحظى بالدعم الامريكي في ظل الهوس القائم في الكيان الاسرائيلي والاندفاع الكبير نحو السلام الاقليمي وتوسيع مظلة التطبيع متجاوزة المسار المرسوم خلال العشرين عاما الماضية؛ فالمشاريع المتعارضة وحالة التشرذم والتشظي التي تعانيها الاستراتيجية الامريكية المصوغة للتعامل مع الملف الفلسطيني طوال العشرين عاما الماضية مهددة بالانهيار والتفكك، مخلقة ازمات جديدة وطفرات يصعب التنبوء بها؛ لتضيف بذلك اعباء كبيرة على المملكة الاردنية تمتد آثارها الى ساحته الداخلية.
خلية الازمة ان كتب لها ان تولد فإنها ستتعامل مع العديد من الملفات وقد تؤسس بدورها لبرنامج عمل لن تكتمل مقولاته بدون تفعيل المرجعية الامريكية والدور الامريكي وانسجامه وتعاطيه مع القراءة الاردنية والفلسطينية في رام الله، وهو تساؤل سيبقى معلقا في المرحلة المقبلة فالعاصفة الآخذة في التشكل في سماء المنطقة لا تنذر بأن الولايات المتحدة ستكون هي الفاعل الوحيد فيها او المحدد الاساسي لوجهتها وتطورها في ظل القصور الذاتي الذي تعانيه وانعدام الخيارات الامريكية التي باتت تتجاذبها محاور اقليمية وحلفاء متشاكسين تتوافر لهم موارد وامكانات تفوق ما يتوافر للسلطة الفلسطينية والاردن مجتمعتين.