الإصلاح: ماذا تحقق وماذا بقي؟
الإصلاح يتحقق بمقدار وعي المجتمعات والطبقات لمصالحها وأولوياتها، وما تريده وما لا تريده. وقد تكون لدينا وفق هذه الرؤية مجموعة من الإصلاحات؛ الوعي بالفساد وضرورة مكافحته، نقابة المعلمين، قانون انتخاب عادل ينشئ حياة سياسية تنافسية، إحاطة أكثر من السابق بالأحداث والمعلومات المتصلة بالشأن العام، رغبة ودافع للتحرك من أجل الإصلاح، تحول في المطالب الإصلاحية إلى الحريات والعدالة وتحسين مستوى المعيشة. ولكن شيئا من ذلك لم يتحقق على أرض الواقع، لدينا وعي شعبي ومجتمعي جديد، ووعود وآمال بتحقيق المطالب الإصلاحية.
تقول الصحافة إنه نفذ حوالي 400 اعتصام منذ بداية العام الحالي، الكثير منها ذات مطالب محددة من الحكومة أو الشركات، وجزء كبير منها يحمل طابعا سياسيا متعلقا بالحريات والديمقراطية، وبعضها ضد الإصلاح!! أو وفق مفهوم للإصلاح مخالف لأغلب السياق القائم، وفي بعض الأحيان تكون الاعتصامات متناقضة في مطالبها.. وكان الأسوأ من ذلك في هذا الحراك، إقحام المطالب الإصلاحية في خانة التناقض مع الولاء، وإدراج معارضتها على أنه "ولاء وانتماء". ولكن الأسوأ على الإطلاق كان الاحتجاج الترهيبي وذا طابع الاعتداء على الحريات والحقوق.. والبلطجة والاعتداء على الناس والممتلكات. وأسوأ من ذلك كله أن الحكومة لم تواجه هذه البلطجة، وإن تبرأت منها.. ولكنها براءة أسوأ بكثير من لو أن الحكومة اعترفت بتدبير الاعتداءات، فأن يكون المعتدي هو الحكومة أرحم بكثير من معتد مجهول، ولا ترغب الحكومة في محاسبته، أو تعجز عن ذلك.. الظاهرة تحمل رسالة خطيرة ومقلقة!
فهي تعني ببساطة أن لدينا طبقة من المجتمع تدرك تماما ما الذي تريده وما الذي لا تريده، إنها لا تريد الإصلاح أبدا إلا بمقدار ما تريد السمّ، ولكنها ويا للسخرية هي التي تدير عملية الإصلاح! وهي تبعث برسائل تهديد تبعث على القلق الشديد للناس والمتطلعين إلى الإصلاح.
تحتاج الحكومة أن تدرك أن تغيرات كبرى حدثت في وعي الناس ومواقفهم في الشهور القليلة الماضية، وأنه لم يعد ممكنا تمرير التجاوزات على الحريات والعدالة.. وأن الناس تعرف الكثير، أكثر مما تظن الحكومة، ويجب عليها تبعا لذلك أن تتعامل مع الناس بمقدار وعيهم الجديد. وإذا كانت الحكومة تعرف ذلك ولكنها تمعن في استفزاز الناس وتجاهل وعيهم، أو تراهن على صبرهم واحتمالهم، فهي بذلك تدفع الحالة السياسية والاجتماعية إلى الاحتقان والشعور بالظلم والغضب.. وأخشى أن الحكومة تفعل ذلك عن وعي وإصرار مسبق.