إصلاح بقوانين عرفية

في إحصائية نشرت قبل يومين بإحدى الصحف الزميلة، تبين أن مناطق مختلفة من المملكة شهدت 1933 فعالية ونشاطا تطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي ووقف الفساد ومعاقبة المفسدين والفاسدين، منذ بداية العام وحتى اليوم.
الرقم كبير بجميع المواصفات، فما بالك في الحالة الأردنية التي كانت تشهد عددا محدودا جدا من الاحتجاجات خلال العام الواحد، حتى إن معظمها كان مرتبطا بالحالة العربية، وليس خاصا بالداخل الأردني.
اليوم تختلف الحال عما كانت عليه في الأعوام السابقة، فالمواطن الذي عانى على مدار عقود طويلة من الآثار المترتبة على نهب المال العام، ومن الفساد الذي لم يجد يدا حديدية توقفه، ومن القمع الفكري وتكميم الأفواه، بات يائسا من كل خطوة حكومية تعلن أن هدفها وقف العبث الذي تواصل على مدى عقود. لذلك يلجأ إلى الشارع لإيصال صوته، خصوصا أنه متيقن من التعامل الخجل والمرتبك، وأيضا الانتقائي، مع ملفات الفساد، يمنح حصانة لكبار الفاسدين، ويودي بصغار المرتشين إلى السجون.
واليوم يجد المواطن نفسه محبطا بعد حزمة مشاريع القوانين التي من الممكن أن يتم إقرارها في مجلس النواب، إذ يتبين له أن مئات المسيرات والاحتجاجات المطالبة بالإصلاح والحرية والديمقراطية ووقف الفساد، حصدت قوانين يمكن تسميتها بأنها "عرفية" على أقل تقدير.
لا يمكن للمواطن الذي سعى بكل جهده إلى تعزيز صوته، أن يقتنع بأن توسيع هامش الحرية وتعزيز الديمقراطية يمكن أن يتأتيا من قوانين تُخضِع وسائل الإعلام إلى سلطة الحكومات التي سعت على الدوام، وعلى اختلافها، إلى لجم الإعلام، وجعله إعلاما متغنيا بحمدها وشكرها.
بعد أكثر من 22 عاما على "الانفتاح الديمقراطي"، لا يمكن أن يقبل المواطن بـ"ردة أخرى" إلى العصور الظلامية التي امتهنت فيها كرامة الإنسان، وفقد الإعلامي فيها دوره العضوي وأمنه الوظيفي، ليضطر بالتالي إلى الاستجابة لـ"متطلبات المرحلة"، أو أن يترجل عن وظيفته، غير آسف على شيء، سوى على أطفال يداري جوعهم وعوزهم، وعلى بلد رمى بأجمل أبنائه إلى المهجر.
سيضطر الإعلام في المرحلة المقبلة إلى أن يرمي برأسه إلى الأسفل، غير ناظر سوى إلى الجانب الاقتصادي من عمله، والمتمثل في تدفق الإعلان، سواء كان إعلاما ورقيا أو رقميا، أما جوانب التنوير وكشف الحقائق والتأشير على الخلل والفساد، فسيكون ممنوعا عليه تناولها، خوفا من تهم "اغتيال الشخصية" و"الإساءة إلى صورة الوطن" التي يسعى متنفذون إلى إقرارها ضمن حزمة مشاريع القوانين الجديدة المقدمة إلى مجلس النواب في دورته الاستثنائية الحالية.
سيكون الخوف من هاتين التهمتين، هو المفتاح السحري للمتنفذين الذين يتوقون إلى الفساد من دون رقيب أو حسيب، أو أولئك الذين فسدوا في الماضي ويخشون اليوم من فتح ملفات قديمة متورطين فيها حتى أنوفهم.
في كتابه "اعترافات قاتل اقتصادي"، يكشف جون بركنز كيفية توريط دول العالم الثالث بقروض كبيرة تتجاوز قدرتها على السداد، لتبدأ اشتراطات "المانحين" تتوالى على تلك الدول، وهي اشتراطات تزيد من ثراء الأثرياء، مثلما تزيد من فقر الفقراء.
لقد اختبرنا مظاهر "القاتل الاقتصادي" على حياتنا اليومية في كل لحظة. ولكن، ترى ما الذي سيخبرنا به "اعترافات قاتل سياسي"، فيما لو نوى أحدهم كتابة مذكراته بعد صحوة ضميرية مؤقتة؟
ماذا سيكشف لنا حول حقائق تلك القوانين التي تضرّ الغالبية العظمى من أبناء الوطن؟ ومن هي الأسماء التي ستكون مستفيدة من سنّ مثل تلك القوانين؟
حمى الله الأردن.