الأردن والفرصة المواتية


رغم التحديات الكبيرة والظروف الصعبة التي تلف المنطقة بكاملها، ورغم الانهيارات التي تتعرض بعض الأقطار العربية المجاورة، ورغم تاثر الأردن العميق بهذه الظروف والأحداث الجارية على الحدود والمحيط ، إلّا أننا يجب أن نواجه هذه التحديات العظيمة وهذه الظروف الصعبة بعزيمة وقوة ، وان نعمل على خلق فرصة حقيقية في وسط هذا الركام.

تتشكل الفرصة الأردنية من خلال عدة معطيات واقعية ، ومن خلال بعض أوراق القوة التي يملكها الأردن، ومن خلال الاستثمار الإيجابي بها، فالأردن يملك العنصر الجغرافي المميز، الذي يحظى بأهمية بالغة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية العسكرية، ويجب الاستثمار بالجغرافيا بطريقة ذكية وواقعية، تستمد قوتها من خلال الحقائق القائمة، وورقة القوة الأخرى تتلخص بالمسار السياسي القائم على صياغة الموقف السياسي الرسمي المتزن الذي يتصف بالحكمة والدقة في التعامل مع الأحداث القائمة بحيث يكون مرتكزاً على ثابت الانحياز نحو مطالب الشعوب العربية في التمسك بحقوقها بالحرية والاستقلال وتقرير المصير، والتقدم على المسار الديمقراطي بطريقة آمنة، ومتدرجة، وعدم الانخراط في مسار التدخل في الشؤون الداخلية للأقطار العربية.

إن قدرة الأردن على توفير الأمن لشعبها ومؤسساتها والحرص على ضبط الحياة الاجتماعية بعيداً عن الانقسام والفتنة ، وكذلك عدم الانسياق وراء صيحات التبعية التي تنطلق من هنا وهناك، والتي من شأنها جرّ الأردن إلى مستنقعات الفتنة والعنف والتطرف ؛ يمثل ورقة قوة كبيرة في غاية الاهمية ، ولها عظيم الاثر في تشكل الفرصة المطلوبة .

تظهر معالم الفرصة في العمل على إيجاد بيئة سياحية قوية وجاذبة من خلال توافر مجموعة من العناصر المهمة التي لو امكن استغلالها على صعيد الكنوز الاثرية والبيئة الامنية الهادئةالمشبعة بالشعور بالطمأنينة التي تكاد تكون مفقودة كلياً أو جزئياً في الأقطار المجاورة، وهذا يحتاج إلى استراتيجية عملية متكاملة ، بحيث يتم توفير المتطلبات الأخرى التي يعرفها أهل الاختصاص من حيث توفير المرافق والطرق وشبكة النقل العامة والخدمة العصرية والشاملة وتسهيل إجراءات الدخول والخروج، بالإضافة إلى توفير السماحة والوجه البشوش والبعد كل البعد عن أساليب الاحتيال والغش والخداع التي تسئ إلى وجه الأردني وصورته الخارجية.

الأردني يملك قدرة كبيرة ومميزة في مجال السياحة العلاجية، من خلال ما يتمتع به من شبكة مستشفيات حديثة، وكوادر طبية رفيعة المستوى بالإضافة إلى المستوى العلمي، ولكن ذلك يحتاج مجموعة من المسارات الأخرى المتكاملة على صعيد إزالة العوائق أمام تطور المؤسسات الصحية وازدهار القطاع الصحي الخاص على وجه التحديد، وهذا يحتاج إلى سماع الشكاوى المرّة التي نسمعها على ألسنة أصحاب المستشفيات الخاصة والقيود الثقيلة التي يعانون منها نتيجة بعض بؤر التخلف والفساد التي تعشعش في القطاع العام و بعض مفاصل الدولة، وهنا يجب العلم أن السياحة العلاجية تشكل فرصة هائلة على الصعيد الاقتصادي الأردني، تحتاج إلى نظر وعناية واهتمام من أعلى مستويات المسؤولية لدينا.

ويبقى هناك فرصة السياحة التعليمية، حيث يمكن توفير بيئة جامعية جاذبة ومميزة من خلال إيجاد الجامعات النموذجية التي تحوز على معايير الجودة والحداثة، وتقدم أعلى مستويات التعليم الجاد، وتخريج التخصصات التي تحتاجها المجتمعات العربية والإسلامية على مستوى العالم.

وكل ذلك يحتاج إلى تضافر الجهود، ويحتاج إلى روح مجتمعية مفعمة بالأمل والطموح ، من خلال الحرص إلى استكمال مسارات الإصلاح الوطني الشامل في كل المجالات وعلى كافة المستويات ، بهمة وصرامة وحضور قيادي جاد ، وتحمل المسؤولية من قبل رئاسة الحكومة والوزراء وكبار المسؤولين وجميع المؤسسات المختصة وكل شرائح الشعب الاردني .