النقاش حول الإصلاحات التشريعية والقضائية



لا يمكن ان تستقيم علاقة المواطنين بالدولة ولا يمكن بناء هيبة القانون بدون استكمال منظومة الإصلاحات التشريعية والقضائية، وما تم تحقيقه خلال عام مضى يستحق التوقف وشرحه للناس سواء في إصلاحات إجراءات التقاضي أو في تطوير منظومات حقوق المواطنين وواجباتهم، فلقد تمت إنجازات مهمة وتستحق الإشارة إليها، فحينما تكون المسطرة غير مثلمة وعلى استقامة واحدة يصبح من السهل انقياد الناس والنخب والمؤسسات للقانون، والذي بدوره يعد الاساس المتين لاستكمال بناء الدولة والمجتمع، ولا يمكن ان نتصور مستقبلا للإصلاح السياسي بدون أن ننجح في درس القانون وبدون نظام عدالة يتوافق عليه الجميع.
لن تكون هناك ثورة حقيقية في الإدارة العامة او في وعي الناس لواجباتهم وحقوقهم ولا لقوة الردع العام بدون استعادة دور القانون في الحياة العامة، وفي الحياة اليومية وإصلاح النظام القضائي؛ ومن هنا جاء التركيز الملكي في أكثر من ورقة نقاشية على أولوية هذه الإصلاحات ثم تشكيل اللجنة الملكية لإصلاح النظام القضائي، وتبع ذلك دورة برلمانية أقرت حزمة من هذه الإصلاحات المطلوبة. لكن ما يزال هناك ما يحتاج إلى المزيد من المراجعة.
تبرز أهمية أن تستكمل هيئة النزاهة ومكافحة الفساد الأدوار التي قامت بها اللجان الملكية سواء لجنة النزاهة أو لجنة المتابعة والتقييم؛ أي خلق آلية مستدامة تكفل أن يبقى ميثاق النزاهة الوطني حاضرا في استعادة دور القانون في مواجهة قضايا الفساد ووضع حد لها.
علينا أن نراجع قدرات العديد من المؤسسات في حماية حقوق المواطنين، أي قدراتها في ممارسة حقها في احتكار القوة. إذا كانت الحكومات والمؤسسات الرسمية لا تقوم بواجباتها بحماية حقوق المواطن في الأكل والشرب والسكن والحياة الآمنة وتكافؤ الفرص، فإن ذلك لا يعود لعدم رغبتها في القيام بهذا، بل الأمر في مجمله يرتبط بالكفاءة إلى جانب الإرادة، ويعود الأمر في جانب مهم إلى مسألة توزيع القوة في المجتمع وتوزيع الكفاءة والإرادة بين المؤسسات والنخب، ولكن حينما يكون القانون مسطرة للجميع يصبح الكل أفرادا ومؤسسات يبحث عن بياض الوجه بالاعتصام بالقانون.
الإمساك بالقانون بقوة في الممارسات اليومية للإدارة الحكومية مهمة مفصلية وأم المهمات في مسار بناء الدول، وكل الإنشاء السياسي حول هيبة الدولة والمراوغة في تفسير ظواهر الفساد والهدر، ثم الاستقواء والعنف الاجتماعي هي محاولات لحجب الرؤية عن المستوى الذي وصلت إليه الدولة من الغياب والتغييب للقانون، وفي مقدمة ذلك قصة الترهل الإداري وتراجع الكفاءة العامة.
هناك فرصة مهمة لاستعادة مسار الإصلاح بالاستناد إلى القانون؛ أي الوصول إلى توافقات وطنية مرجعيتها القوانين النافذة، إلى جانب ما نحتاجه من تعديلات أو تشريعات جديدة تصب في أهداف الإصلاح؛ حينها يمكن توفير المسطرة المطلوبة التي يمكن أن يبنى عليها. ثمة حاجة حقيقية لمحاكاة نموذج الإصلاح القانوني، وتحديدا في مواجهات التحديات التي تواجهها الحياة العامة، ويبدو ذلك على درجة كبيرة من الأهمية في ضوء ما وصلنا إليه من دروس الربيع العربي، ونعني ما وصلت إليه الدولة والمعارضة السياسية معا؛ الأمر الذي يرتب فرصة في الدفع ببناء نموذج للإصلاح أساسه القانون. ولعل من المفيد في هذه المرحلة التقليل من حدة وكثافة السياسة