حروب ترامب


 

 

أصبحت المواجهة بين دونالد ترامب والطبقة الحاكمة مسألة شخصية. لم تعد الخلافات بينهما على أسس سياسية فالرئيس لا يملك أي رؤية استراتيجية. وما يقال ويكتب عن علاقته بالرئيس الروسي بوتين، مثلاً، يوحي بأنها لا تتعدى المنافع التجارية. وقد أجبره الكونغرس على توقيع عقوبات جديدة على روسيا، في خطوة تؤكد استعداد الجمهوريين للتخلي عنه إذا استمر في شخصنة موقع الرئاسة الذي أصبح حكراً على زمرة من عائلته لم يسبق لأحد منها أن مارس العمل السياسي. زمرة أبعدت مسؤولين بارزين من مواقعهم لاستغلالها في صفقات تجارية أسوة برب البيت.

 

 

شخصن ترامب علاقته بالطبقة الحاكمة، ولم يعد لديه هم سوى «إشباع رغبته في الانتقام، ومن الصعب أن نتوقع خروجه منتصراً من هذه المواجهة، أو الحرب الأهلية التي يخوضها بالتعاون مع بعض المغامرين الذين ارتضوا أن يكونوا في إدارته» (نيويوركر).

 

 

للحروب الدائرة في البيت الأبيض تأثيرها الكبير في السياسة الأميركية الخارجية، وقد انعكست على أكثر من منطقة في العالم. لم يكن أحد يتصور أن تكون العقوبات التي فرضها الكونغرس على روسيا، وأجبر ترامب على توقيعها بهذا الحجم لولا الخلافات بين البيت الأبيض والمؤسسة التشريعية، ومحاولة الجمهوريين والديموقراطيين إثبات سلطتها في مواجهة رئيس يتصرف كأنه ديكتاتور في بلد من بلدان العالم الثالث. وانعكست العقوبات على أوروبا وعلاقاتها مع موسكو، فقد وضعتها أمام خيارين لا تريد أياً منهما: إما مجاراة واشنطن والمجازفة بعلاقاتها مع الكرملين، أو الوقوف ضدها وتوتير العلاقات مع الأخ الأكبر، في وقت تعيش القارة القديمة مرحلة تحول مهمة قد تفكك اتحادها. فضلاً عن ذلك أدت العقوبات إلى تقوية التحالف الروسي- الصيني ومعه إيران لشعورها بالخطر.

 

 

كتب بريجنسكي عن العلاقة الأوروبية- الأميركية ما يأتي: «أمزح أحياناً وأقول كي تكون هذه العلاقات أكثر حيوية وواقعية نحتاج إلى تغيير في النظام الأميركي كي نفهم ماذا يدور في العالم ونعيد تقييم دورنا، بعيداً من مزاعم المحافظين الجدد. أما في أوروبا فليس هناك نظام سياسي واحد». (كتاب «أميركا والعالم» لديفيد إغناتيوس).

 

 

واقع الأمر أن ترامب يحاول تغيير النظام في أميركا، لكنه ليس الرجل المناسب لهذا التغيير الكبير المطلوب في أوروبا وفي بقية القارات التي تعاني الحروب والفوضى وتترقب، بخوف كبير، ما ستنفذه واشنطن من مخططات لإطاحة دولها غير المستقرة أصلاً. والدليل محاولته تغيير الأشخاص في إدارته والمحافظة على سياساتها الساعية إلى الهيمنة بأسلوب التاجر الشاطر الذي يحول كل شيء إلى مال.

 

 

هذا في أوروبا، أما في الشرق الأوسط، فمنذ وصوله إلى البيت الأبيض، وترامب يتخبط في توجهاته: مرة مع بقاء الأسد، ومرة ضده. وهو مع المعارضة سلّح بعضها ثم أمر بسحب السلاح منها. ومع حليفه التركي لكنه يقود أعداءه الأكراد لـ «تحرير» الرقة. ويخوض الحرب على «داعش» في العراق، ويمنع الجيشين العراقي والسوري من التنسيق للقضاء على التنظيم في كلا الدولتين. وهو ضد قطر لأنها ترعى الإرهاب، ومعها في مواجهتها الأزمة الخليجية. يهدد إيران بإلغاء الاتفاق النووي ولا يعير رأي الدول الأخرى الشريكة فيه اهتماماً. يرسل صهره جاريد كوشنر إلى إسرائيل من دون أن يكون لديه تصور واضح لحل المسألة الفلسطينية...

 

 

ظاهرة ترامب ترسخ هيمنة الطبقة الحاكمة في أميركا وتعمم الفوضى أكثر في العالم.