موسيقى الحبيبات الصاعدات الدرج !

في الستينات، حين كان كل شيء أجمل : السياسة، الشِعر، البيوت، والنساء ، كان للأنثى " معدات” أخرى، مختلفة، للغواية !

وإذ كانت الحياة، غالباً، بالأبيض والأسود، كان الصوت بأهمية الصورة، وربما أكثر أحيانا، فالموسيقى مثلا من أجمل دهشات تلك السنوات، والشتاء كان صوتا أيضا .. وليس مجرد البلل المحبب. أمّا صعود الحبيبة على الدرج ( كما تشهد الأفلام المصرية ) فكان من أكثر( النوتات الموسيقية ) إثارةً !
... وفي سنوات الكلاسيكية الماتعة تلك، كان الكعب العالي، ذي النقرات الحادة على البلاط، يملك من السطوة والنفوذ أكثر مما يملك حذاء ضابط في الأمن .. مهما بلغت صرامته !
أما أبناء النخبة المثقفة، الذين بذلوا ردحا طويلا من شبابهم يقاومون سلطة العسكر، ما كانوا ليصمدوا أبدا أمام موسيقى الحبيبات الصاعدات الدرج، بل ونظم الشعر وتلحين الأغنيات في مديح الخطى المغناجة، حتى أن مغنية لها اسمها الذائع الصيت في ذلك القرن مثل "شادية” غنت إحدى أشهر أغنياتها لـ "رنة قبقابها” حين قالت ( رنة قبقابي يمّا بتميّل راسي .... ) كأنما تهاديها في مشيتها بهذا الكعب العالي هو الذي يدير رأسها بالنشوة وخيلاء الأنثى!
وهو الذي يجعل الكل ان تعثرت قليلا يهب واقفاً ليقول (اسم الله) إلا – كما ذكرت شادية – العزول القاسي!
ولم يكن ولع المثقفين والأرستقراطيين آنذاك تغزلا بالجلد المتين للحذاء، أو برباطه الأنيق، أو ياقته الممشوقة، بقدر ما هو بالساق الصقيلة التي " تدوزن " موسيقاه على الدرج ... وتُدوّخ مخيلة العشاق المفتونين !
ولهذا، أيضا، لم يعد الكعب العالي واسع الانتشار، بعد اختفاء السيقان والفساتين القصيرة، وتسيّد السراويل، والجينز تحديدا، للمشهد القماشي عموما!
وكما كان الكعب العالي مَلمحاً من ثقافة جيل، ومنظومة تغيير، كما أيام ( جون لينون ) وأغنيات البيتلز، وثورات الطلاب في الـ 68، و( شارلستون) عبد الحليم حافظ، قادت أحذية الـ (توب سايدر) ملامح المرحلة الجديدة، وصارت علامة للرفاقية والكدح والحركات التقدمية، فضلاً عن كونها الملمح الأبرز لثقافة الأجيال العملية السريعة الإيقاع، التي لا تقيم وزنا كبيرا للرومانسية بمعناها الكلاسيكي !
وربما، أيضاً، لم يعد بمقدور الانسان الجديد المحافظة بما يكفي على توازنه، لهول ما يتعرض له، وهو بالتالي غير قادر أن يوازن جسده فوق حذاء شاهق !
... وهكذا خسرنا مرتين: أن نرى رخام السيقان الصقيل، والذي كان إذ يحاط بخلخال من الذهب الناعم البسيط يطيح بأعتى الرجال العُقّال!
وخسرنا، حين لم نعد نسمع موسيقى الحبيبات الصاعدات الدرج!