نحتاج لإعلام إدارة أزمات..

في كل أزمة وحين تتفاقم؛ يكون السبب وراء تفاقمها أحد الإعلاميين، إما بتقصير اعلامي رسمي ، أو يكون السبب انفلات اعلاميا، يؤجج الحدث وينشر الاشاعة والمبالغة، ثم تسعى مؤسسات الدولة إلى تداركه بالهروب من مواجهة الدعاية المحمومة والاشاعة..وتلجأ إلى تطييب الخواطر، على حساب خطابها وربما أحيانا على حساب أمنها، وثقة المواطنين بها.

في جريمة السفارة الاسرائيلية حدث مثل هذا، وبعيدا عن التفاصيل، ثمة حقيقة حية في ذاكرتنا، تبين مدى الارتباك في الخطاب الرسمي حول تلك الحادثة، الأمر الذي دعا إلى تدخل جلالة الملك كالعادة، ليضع القطار على السكة الصحيحة، ثم رأينا خطاب دولة، رصينا هادفا قويا يعتمد قوة الأخلاق والمنطق والقانون، يتضمن رسائل واضحة لا يمكن تأويلها أو التشكيك فيها، كالتي صدرت عن جلالته حين التقى السبت بممثلين عن الاعلام الرسمي وغيره، وناقش معهم قضايا وأحداث، وأزمات، انفلتت بما ينذر بأكثر من خطر داخلي، فجاء حديث الملك للاعلاميين وللناس ليخفف شدة حيرتهم من الذي جرى في جريمة السفارة تحديدا.

المطلوب من الحكومة يتلخص بإيجاد «آلية» ولا أقول استراتيجية، للتعامل مع الأزمات، حيث يجب اقرار تعليمات أو حتى قانون، تنبثق عنه جهة او لجنة اعلامية، تتدخل في الأزمات، ويكون الجانب الإعلامي فيها محترفا، ويملك خبرة كافية في إدارة الأزمة تكتيكيا، وهذا نوع من الأداء السياسي الخاضع لفكرة الطوارىء، تعمل به العديد من الدول، حتى وإن لم تصرح به.

ومن بين الظواهر التي تعمل على تغييب خطاب الدولة وقت الأزمات، هي ما تحدث عنها جلالة الملك متسائلا: لماذا يغيب المسؤولون السابقون عن الأحداث ولا يؤثرون فيها؟! سؤال مهم، ومحوري، وفيه جانب من الفكرة التي أتحدث عنها هنا، فعمل رجال الدولة السابقين مطلوب في مثل هذه الأوقات من الشدة والتحدي، فمن بينهم خبراء في خطاب الدولة، ولديهم وجهات نظر مهمة، قد يتهمها بعضنا بأنها رجعية وغير مقبولة، لكنها ثرية بالخبرة والدراية، ومشهود لها بالتأثير على مجريات الأحداث، ولا يعني هذا بأنني أرشحهم لإدارة الأزمات، لكنني أشير إلى ما أشار إليه جلالة الملك بتساؤله عن سر غيابهم، الذي قد يكون سببه تقصيرا اعلاميا، أو ممارسات وسلوكات تصدر عن بعض هؤلاء المسؤولين السابقين، إذ يقوم «بعضهم» بمهاجمة الدولة والحكومة حتى يعود إلى موقع المسؤولية فتهدأ ثائرته ونضالاته!.

لا ألوم الحكومة مطلقا على تفاقم الأزمات، فهذا أمر لا تريده أي حكومة بالتأكيد، لكنه يحدث، والخلل موجود، ويتكرر، وحين نعيد شريط الأحداث لأية أزمة عابرة، نجد إشارات قوية على تخلخل الخطاب الرسمي والذي قد يكون سببه البطء في التفاعل مع الحدث وتطوراته، وقد عشنا هذه الحالة التي تشبه «الفصام» على خلفية جريمة السفارة الاسرائيلية، فهناك انعكاس كامل في خطاب الدولة، كان له أثر كبير على العقل والنفسية الجمعية للناس، إذ انتقل من توتر وإثارة وغضب واتهام، إلى ارتياح وثقة وتوازن بسبب التدخل الملكي اللافت، حيث لمسنا مفاهيم سياسية وديبلوماسية وأخلاقية جديدة راقية، لم يتحدث عنها جلالته صراحة، لكنه فعلها، حين كسر حاجز الرهبة لدى كثيرين، حين قام - مثلا- بزيارة بيوت العزاء للضحيتين اللذين ذهبا غيلة وغدرا، وقال إن موتهم جريمة وتعهد بتحصيل الحقوق القانونية والقضائية لهما ولذويهما، وهذا منطق لم نلمسه او حتى نلحظه في اليومين الأولين من تاريخ الجريمة النكراء.

بناء على هذا التحول في الخطاب الرسمي واعتمادا على أثره الإيجابي السياسي والتنويري والوطني، يمكننا أن نفكر في فريق مختص لإدارة الأزمات إعلاميا، لتقليل حجم الخسائر وإزالة أسباب تفاقم الأزمة، بتقديم المعلومة، وتحقيق السبق الذي يجعل الناس على بينة مما يجري، ليكتفوا بالمعلومة الرسمية الصادقة والدقيقة ولا يبحثوا عنها في الإعلام المعادي او المحايد..