قانون للخلف در

لن تشعر بالسعادة أبداً إذا بقيت تبحث عن مقومات السعادة، ولن تعيش أبداً ما دمت تبحث عن معنى الحياة- كاموس ( فيلسوف)

أشعر بصداع مزمن.

كل صباح تذكرني زوجتي بأن أكون إيجابيا، وفي المساء أقرأ كتبا في التنمية البشرية لكتاب دائمي الابتسام، يحاولون غرس مفاهيم السعادة والثقة والصحة الجيدة، والتفوق على الآخرين والذكاء والغنى المادي والإنتاجية والشعبية، وفي النهاية إلى الكمال!

في الصباح أرتدي بذلتي الفاخرة وأضع في جيبي أحدث وأغلى هاتف ذكي وأمسك بسلسلة من الذهب لمفاتيح سيارتي الرياضية الحمراء. تبا، نسيت أن أرتدي خاتمي المرصع بالألماس، على عجل أقبّل زوجتي الجميلة ذات الحسب والنسب التي عادة ما تودعني بكامل زينتها مع طفليّ الاثنين والنصف الذين يأكلون القريدس المقلي على الإفطار، لقد تأخرت عن موعدي الهام في شركتي التي أمضي فيها أجمل ساعات حياتي.

توقف! هذا كله حلم نتاج ثقافة مبنية على الاستهلاك ونهم إشباع الغرائز يقف خلفها إعلام يربط السعادة بالتملّك، استيقظ عزيزي فلو كان لديك كل هذا لما حلمت به أساسا.

وأنت يا سيدتي يا من تقفين أمام المرآة كل صباح وترددين أنا جميلة، واثقة بنفسي، أنا أفضل من قريناتي، أنا سعيدة؛ استيقظي فلو كنتِ كذلك لما رددتِ هذه الترهات أمام المرآة.

هذا الهوس بالتملّك ومحاولة تمثيل الإيجابية في الحقيقة تأكيد وحيد على أننا نسعى لامتلاك ما لا نمتلكه، سنمضي حياتنا خلف سراب من السعادة والرضا، ويصبح الأمر كالسعار لا هم لنا إلا تحقيقه.

في لهاثك لتحصيل كل هذا ستزداد كآبتك وقلقك وستقل ثقتك بنفسك خاصة وأنت تقرأ قصص النجاح في كتب التنمية البشرية أو تشاهد أصدقاءك على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يسافرون ويحتفلون ويأكلون في المطاعم الفخمة ويركبون أجمل السيارات أو الدراجات النارية وأنت ما زلت تراوح مكانك، تحلم.

سيجعلك هذا اللهاث غاضبا، أي شيء يغضبك! ثم ستغضب لأنك غضبان، أو ستتولد لديك الكآبة وستكتئب أكثر لأنك مكتئب، ستفكر وتقلق قلقا يشل تفكيرك وتبدأ بالقلق لأنك قلِق و ستكون وحيدا وهذه الوحدة ستزيد من وحدتك، إنها باختصار حلقة مفرغة ستدور فيها كثور الساقية، ستتولد مشاعر الفشل وازدراء النفس، ستصرخ أنا فاشل ثم ستشتم نفسك وتصرخ محدثا نفسك، لا تناديني بالفاشل، أنا لست فاشلا!

 

 

 

 

أهلا بك في الجحيم.

اهدأ قليلا، خذ شهيقا، وزفيرا، أنت إنسان. ولأنك كذلك فأنت الكائن الوحيد الذي يفكر بالذي تفكر فيه، خذ مثلا عندما يدفعك الفضول إلى مشاهدة لقطة لمجانين داعش يقطعون الرؤوس، ثم تلوم نفسك وتحدثها بأنك بلا شك مجنون مثلهم.

الفيلسوف آلان واتس وجد حلا لحياة الجحيم هذه، فخرج بنظرية أسماها «قانون للخلف در»، يقول فيها كلما سعيت لتشعر بشكل أفضل كلما كان رضاك عن نفسك أقل، فبنفس القدر الذي تسعى فيه لمزيد من الغنى أنت تشعر بالفقر، بغض النظر عما تمتلكه، وكلما أردت أن تكون أكثر جمالا ستترسخ لديكِ عيوبك التي لا يراها غيرك، وكلما زادت رغبتك في السعادة أصبحت أكثر تعاسة، وكلما أردت أن تكون مثقفا أكثر كنت أكثر وعيا بجهلك.

إذن فلا تحاول وقل ليذهب كل هذا إلى الجحيم ، تقبل نفسك كما أنت، تقبل فشلك وقل أنا ببساطة لا أهتم.

ستسألني فورا، إذا لم أحلم ولم أرغب بشيء أحققه فسأبقى مكاني؟ شكرا لأنك سألت فإجابتي جاهزة. هل لاحظت أنك عندما اهتممت بشيء أقل نجحت فيه أو تحقق لك؟ فقانون للخلف در معناه عندما لا تهتم فالنتائج ستكون إيجابية وعندما تهتم كثيرا فالنتائج ستكون سلبية، إذن فالسلبية إيجابية والعكس صحيح، فالتمارين القاسية ستفيد صحتك والاخفاقات في العمل ستعلمك، والمصارحة ستجعل العلاقات أكثر صحية، والمعاناة من الخوف والألم ستزيد من صلابتك، وكل ما تكسبه في الحياة ناتج عن تجارب سلبية.

محاولتك الهروب من الفشل والسلبية والمعاناة هي فشل وسلبية ومعاناة، والألم والدموع والإحباط والفشل والكآبة هي جزء من الحياة إن لم تكن الحياة نفسها.

الخلاصة، لا تهتم كثيرا ولا تشغل نفسك فالرزق والعمر مكتوبين، ما أقوله ليس تجديفا وإنما هي مدرسة فلسفية قائمة على أن التطنيش يجلب السعادة؛ في الأديان سموها القناعة والتوكل، كلمتان كفيلتان بإسعادك.

التعليق