الاردنيون وتغيير مفهوم المعارضة

يقدم الحراك الشعبي الاردني في المحافظات وفي العاصمة احيانا منظورا اردنيا جديدا للمعارضة السياسية، بدأ يأخذ حضوره واستدامته بكثافة وإن كانت بطيئة إلا أنها تحفر في الأرض عميقا وتعبر عن قناعات شعبية قوية، مصادر قوة هذا المنظور الجديد تتنوع بين ارتباطها بالممارسة العملية اكثر من التنظير، واتساع قاعدتها الاجتماعية؛ أي الانتقال من النخب إلى القواعد الاجتماعية العريضة، والأهم شعورها العميق بالوطن والخوف عليه ومنهجها وغايته في إصلاح النظام وليس تغييره.
عانت المعارضة السياسية التقليدية من أمراضها المزمنة المعروفة، وفي مرحلتها الأخيرة خلال آخر عقدين بدت عاجزة عن تقديم وصفة متكاملة للإصلاح السياسي ذات عمق والتفاف شعبي، بل أسهمت بشكل غير مباشر ومن خلال سلوكها السياسي والاجتماعي في توفير المبررات للنظام السياسي للالتفاف مجددا على مشروع الإصلاح السياسي في النصف الثاني من التسعينيات، حينما دخل في مستودع الحكومات. والنقطة الحرجة عجز المعارضة عن إرساء عمقها الاجتماعي وتوطين خطابها السياسي ما جعلها دوما موضع السؤال البريء وغير البريء.
تبدو قراءة الحراك الشعبي الاردني لدى البعض في سياق الحركات الاجتماعية دون مستوى الحركات السياسية المرتبطة بأحداث آنية لا تعبر عن نضوج سياسي، وأن طريقها الى زوال، علاوة على عدم ارتباطها بأطر مؤسسية قابلة للاستدامة والتصعيد.
ورغم وجاهة بعض العناصر التحليلية في القراءة السابقة، إلا أنها قد تنطبق على مجتمعات أخرى. وفي الحالة الأردنية نحتاج إلى عمق أكثر والمزيد من الوضوح وأدوات مختلفة؛ فالحراك الشعبي الاردني ليس وليد الثورات والربيع العربي الجديد بل هو أقدم من ذلك، ويذهب في جذوره إلى سنوات طويلة سابقة، كانت تعبيراتها تتوالى بقوة. ولعل الموجة الاخيرة من الحركات الاحتجاجية تعود إلى صيف عام 2009 والتي دمجت آنذاك تحت مفاهيم العنف المجتمعي وتصاعدت في تعبيرات مختلفة مثل الحركة الاحتجاجية لعمال الموانئ وحركة المعلمين وحركة المتقاعدين العسكريين وجميعها حركات احتجاجية سبقت الربيع العربي.
حسب ناثان براون في مقاله (الأردن ليس على شفا الانهيار بل في أزمة) "لقد أصبحت الفجوة السياسية العميقة بين النخب السياسية والمجتمعات التي تحكمها، سمة العديد من الدول العربية، واضحةً بشكل حادّ في الأردن. بمعنى أن الدولة تفشل في رعاية مواطنيها وأن سياساتها أكثر استجابةً لمصالح الأفراد الأقوياء منها للمجتمع الذي من المفترض أن تخدمه إزاء انعدام المساءلة وعدم إصغاء أصحاب السلطة إلى مطالب القواعد الاجتماعية"، وهو ما يكرره استاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب كاليفورنيا لوري براند الذي كتب الكثير من الدراسات عن الأردن، في مقالته "لمَ الأردن ليس تونس".
 الحركات الاحتجاجية الاردنية ذات السمات الاجتماعية اكثر عمقا من الخطاب السياسي الذي لا يملك عمقا مجتمعيا، فيما تعبر هذه الحركات عن برامج عمل اجتماعية هي جوهر السياسة الفعلي، ونلاحظ كيف يتطور الخطاب الاجتماعي ويتجاوز كل يوم التنظير السياسي التقليدي عبر ارتباطه المباشر بأولويات الناس وحاجاتهم.
 يتبلور في هذا الوقت مفهوم جديد للمعارضة السياسية يرتبط مباشرة بالممارسة العملية، وبينما تتراجع هبة التنظيمات السياسية التي حاولت التشاوف مع مناخ الثورات العربية، يستمر الحراك الشعبي الاجتماعي ويراكم على الأرض الوعي الاجتماعي الجديد.