الإصلاح على كل الجبهات

مخطئ من يظن أن الإصلاح المطلوب في الأردن مُقتصر على الحكومة ومؤسساتها. وعجيب أن بعض المتحمسين للإصلاح يطالبون بالثورة، ويقاومون في الوقت نفسه التغيير، خصوصا إذا كان هذا التغيير يشملهم.
ومن الأمثلة على ذلك بعض أحزابنا الراسخة، ونقاباتنا المهنية والعمالية، وغرف التجارة والصناعة، ومجلس إدارات بعض الشركات، ورؤساء الجمعيات الخيرية، وغيرها.
ولو تمعنت في بعضها لرأيت أنها إما بحاجة لوجوه جديدة على الأقل، أو الى إعادة هيكلة تامة، حيث لم تمتد إليها يدٌ باصلاح أو تعديل منذ أن أنشئت، فشاخت وتهاوت، ولم يبق منها إلا كما قال الشاعر الجاهلي طرفة ابن العبد "كباقي الوشم في ظاهر اليد".
ولنبدأ بالنقابات المهنية؛ كلنا في الأردن لنا أقرباء وأصدقاء ومحاسيب أعضاء في النقابات المهنية. وأنا شخصياً لي ولد وبنت عضوان في  النقابات، وستة أشقاء وشقيقات، ولذلك، فكلامي لا ينبع من موقف شخصي، بل من موقف عام.
ماذا فعلت النقابات من خدمة لاستزراع التكنولوجيا في الأردن، وتعزيز البحث العلمي، وحل المشاكل البيئية، والمساهمة في حل مشكلتي المياه والطاقة؟ ولا يوجد قرار هندسي أو طبي سواء كان خاصاً أم حكومياً يمكن أن يؤخذ من دون مهندسين أو أطباء أو صيادلة. فماذا فعلت النقابات وأعضاؤها من خدمات وهم يعملون على جانبي الخط العام والخاص؟
إن انشغال النقابات بالعمل السياسي مفهوم في غياب الأحزاب، ولكن بوجود الأحزاب، فإن التنافس على الفوز بقيادات النقابات يجب أن يقاس بقدرة هذه القيادات على خدمة المجتمع.
لقد تحولت النقابات على أحسن الأحوال الى فئات تحتكر المهام، وتقلل مساحة العضوية، وتدافع عن مصالح أعضائها.. آن الأوان لتقنعنا أنها تدعو إلى الإصلاح، وتبدأ بنفسها لتعطينا القدوة الصالحة.
وماذا عن رؤساء الجمعيات الخيرية، والثقافية، وغيرهم؟ هل يتغيرون؟ ولماذا يصر هؤلاء على البقاء في مواقعهم عشرات السنين؟ وما الذي يمكن أن يقدمه شخص في السنة الحادية عشرة من قيادته لجمعية زيادة أو مختلفاً عما قدمه في السنوات العشر الأولى؟.
وقس على ذلك من روابط ونقابات تجارية وغيرها ممن مضى على عمرها عشرات السنين، وما تزال تدار بالأسلوب نفسه، وتشكو الشكوى نفسها، وتقدم العرائض نفسها، وتلتمس الطلبات نفسها من كل مسؤول.
إذا كنا نريد من الحكومة والقطاع العام إصلاحاً، فهذا شيء حميد وصحيح. ولكن ماذا عنا نحن في القطاع الخاص والقطاع المدني؟ لماذا نستمر في الأساليب نفسها، ونحب الجلوس على الكراسي، ولا نتردد في انتقاد الحكومة حين لا تمارس الإصلاح، وتبقي الأمور على حالها، وننسى أنفسنا؟.
آن الأوان لأن تخضع للنقد كل المؤسسات التي ترفض التغيير، وإذا كنا نريد الإصلاح، فهو يعني التغيير. ومن يرفض ذلك، فإنه يرفض الحياة..
ولا يمكن أن نبني رأسمال اجتماعيا، أو نعزز إنتاجيتنا، أو نرفع من مستوى تنافسيتنا، ونحن نسير على شعار "هذا ما وجدنا عليه آباءنا".