الحرب القادمة مع داعش ستكون أخطر!


خسر تنظيم داعش الارهابي الكثير من اراضي خلافته، بما فيها عاصمته الموصل. ويتوقع ان يخسر المزيد من هذه الاراضي قبل نهاية العام، لتتقلص دولتة بدلا من ان تتمدد كما كان يدعي في ظروف كانت مختلفة عسكريا ودوليا ومحليا في الدول التي سيطر فيها على نحو مئتين وتسعين الف كيلو متر مربع في العراق وسوريا، اغلبها في العراق. واضافة الى خسارته الارض، خسر معظم موارده المالية وخاصة النفطية منها، كما فقد الآلاف من رجاله قتلا واعتقالا واسرا اوهروبا من جحيم القتال. الامر الذي ادى الى انحدار معنويات قياداته ومؤيديه عبر العالم، نظرا لقرب زوال وهم تأسيس خلافة اسلامية في محيط اسلامي يفترض ان يكون مساندا لفكرة الخلافة .

والحقيقة ان البيئة التي كانت سائدة في الدول التي انشا فيها دولته، وتلك التي اقام فيها ما سماها ولايات اسلامية، هي التي ساهمت بكل هذا . ويعتقد كثيرون ان الفوضى والخلل الاجتماعي والسياسي اللذين احدثهما الاحتلال الامريكي للعراق كان السبب الرئيسي الجاذب لكل المنظمات الارهابية في العالم، باعتبار ان الجهاد ضد المحتل احد اسس مبررات وجودها ونضالها من اجل مقاتلة الطغيان الخارجي عوضا عن الطغيان الداخلي، الذي لايختلف في مفهوم التنظيمات السلفية الجهادية عن العدو الخارجي. كما استغلت هذه التنظيمات الفوضى التي تسود سوريا بعد الثورة وغاصت في المستنقع السوري لتحقيق الاهداف ذاتها.

كل ذلك اصبح مفهوما على الصعيدين الرسمي والشعبي، سواء في المنطقة او في العالم، وخاصة الغربي منه الذي عانى كثيرا من تنظيم داعش ولايزال يعتبر ان حربه مع هذا التنظيم لم تنته بعد .

والسؤال الذي يطرح بقوة وعلى كافة المستويات في هذه الظروف وحتى نهاية داعش على الارض العراقية والسورية، هو هل سينتهي هذا التنظيم ويصبح جزءا من الماضي بعد خسارته اراضي خلافته، وتنتهي حالة الرعب التي يشيعها داعش اينما وجد؟ وهل طبيعة تفكير قادة التنظيم وانصاره العقدية والفكرية وما يؤمنون به وضحّوا من اجله تسمح بهذه النتيجة المبسطة والسهلة لتنظيم من طراز متشدد يعتقد انه يقاتل من اجل اعادة الاسلام والمسلمين الى دينهم، واحياء مجدهم الغابر من جديد، وتحريرهم من طغيان الغرب والاستعمار بكافة اشكاله، بالاضافة الى تخليصهم من كافة اشكال الاستبداد الداخلي والقضاء على الدولة الوطنية التي هي احد منتجات سايكس بيكو؟

هذه الاسئلة لم يجب عليها احد اجابة قاطعة ومقنعة، فاغلب المتابعين لتنظيم داعش يعتقدون ان نهاية خلافته على الارض تعني نهايته كتنظيم الى الابد، وكأن هذا التنظيم لم يكن موجودا قبل استيلائه على الارض، اوانه كان يتصرف كدولة لها بنيانها التنظيمي مثل اي دولة اخرى في العالم، وعندما تخسر اراضيها فانها تتبخر وتصبح جزءا من التاريخ . اخرون يعتقدون عكس هذا الطرح المتفائل او المبسط لفهم طبيعة تنظيم ارهابي عقائدي ارتبط افراده بفكرة قاتلوا من اجلها حتى الموت، وهم مستعدون للاستمرار فيها حتى لو تغيرت الظروف المكانية والزمانية.

الذي يتابع الاصول الفكرية وخاصة الشرعية الدينية منها لتنظيمات السلفية الجهادية على مختلف تنويعاتها وتشكيلاتها والبنية الفكرية لها، لايملك الا ان يؤيد الراي القائل بان داعش سيجري مراجعة كاملة لاستراتيجيته وتكتيكاته القتالية، ويدخل مرحلة جديدة من العمل ستكون اخطر واقسى من تلك الحرب التي كان يخوضها على الارض، في مواجهة قوى كبرى دولية واقليمية تملك من الامكانات لهزيمة دول كبرى، وليس دويلة كدولة الخلافة البدائية التنظيم والادارة والامكانيات المكتسبة من ضعف الاخرين.

اغلب الظن ان تنظيم داعش سيأخذ لونا آخر وشكلا جديدا، بعد ان اصبح لديه خبرة كاملة في ممارسته عبر العالم، وهو اعتماد العمليات الانتحارية في الدول التي لايتواجد فيها بكثافة، وحرب العصابات في كل من سوريا والعراق وسيناء ونيجيريا وليبيا وغيرها من الدول ذات الولايات الداعشية . سيلجأ داعش الى الانتقام بوحشية من الدول التي ساهمت في خسارة خلافته، ولن يتكلف خسارة كبيره في نهجه الجديد. فعناصره التي تسمى جوازا بالذئاب المنفردة موجودة في عشرات الدول في اوروبا والشرق الاوسط والاقصى، والبيئة المناسبة لحرب العصابات في العراق وسوريا مازالت تعطيه روحا جديدة للعمل في ظل الظلم الطائفي والاقصاء لملايين سكان هاتين الدولتين، الذين عانوا من هذا النمط في التعامل من قبل حكوماتهم، وادى الى كسب التنظيم انصارا بالالاف لولا ان التعامل السلبي للتنظيم نفسه مع سكان المناطق التي كان يحتلها قد قلص من مؤيدية بشكل لافت وقوض حلمهم بدولة اسلامية عادلة.

مرحلة داعش الجديدة لن تكون مرحلة احتلال الارض واقامة الكيانات، بل ستكون مرحلة ارهاق الكيانات المعادية له، بعمليات مبتكرة لاتأخذ حسابا لا للبريء ولا للمذنب، بل ستستخدم كل اشكال الارهاب تطبيقا لشعار التنظيم " الدم الدم الهدم الهدم ".

ومن هنا يجب أخذ كل ذلك بالحسبان، فتلك الحرب الداعشية المنتظرة او المتوقعة، ستكون اخطر واكثر دما وهدما. انه الارهاب الاعمى المتوحش الذي لم يبدأ مع داعش ولن ينتهي معه اذا خسر الارض اودولة الخلافة. فهذه الدولة يعتبرها التنظيم مرحلة من مراحل نضاله الذي يعتقد بانه الحق ضد الباطل الى يوم الدين .