مسرحية هزيلة من أجل سيجارة


لا التدفئة المركزية تنجدهم عندما ينخر البرد القارص عظامهم ولا المكيفات عندما يحرق لهيب الصيف جباهم فهذه «الكماليات» تبقى حصراً لقاطني المكاتب الفارهة البعيدة عن الميدان.

ليس لديهم لا الوقت ولا نعمة الزمن لاستعراض جاكيتات ايطالية وربطات عنق فرنسية أمام وسائل الإعلام فمريولهم الأبيض المهترىء وحده يستر قسوة المهنة وبطء عقارب الساعة بانتظار انقضاء يوم لا ينتهي وهم يخدمون من يحتاجونهم بالقدرات التي في جعبتهم.

176 طبيب اختصاص فقط يا سادة في المراكز الصحية ال676 لوزارة الصحة، أي اختصاصي لكل أربعة مراكز، لم يبرعوا يوماً في فنون توزيع الابتسامات وتلفيق الانجازات الكرتونية. وبهذه المراكز التي تتكدس بها ترسانة من 10684 موظفاً نجد 1208اطباء عامين أي أقل من طبيبين لكل مركز.

هذه المراكز استقبلت العام الماضي 12 مليونا و325 ألف مراجع. من يصدق ذلك وأي دولة في أفريقيا الاستوائية تستطيع منافستنا؟ أي سلامة نمنحها للأبرياء يا سادة التصريحات العنترية وحصة كل طبيب عام 10 اَلاف مريض في السنة والأخصائي 58956 مريضا فأي ساحر بإمكانه العطاء بإخلاص وبضمير إنساني ضمن هذه الظروف؟ أليس الطبيب إنساناً مثل غيره بحاجة للراحة والظروف المهنية والأنسانية الكفيلة له بتقديم خدماته الإنسانية دون مخاطر الوقوع بزلة وهو الذي لا يملك في غالبية المراكز سوى يديه وعينيه وعلمه دون مختبر أو مركز أشعة متطور للتشخيص وعندما يحيد تشخيصه نجلده دون رحمة وعندما تحين له فرصة قصيرة للراحة لنسيان هموم يوم مرهق ويعطي لنفسه فسحة لتدخين سيجارة تقلل من توتره وتمنح لمزاجه دفعة من الأمل نقوم بالتنكيل به واغتيال سمعته ومستقبله. لا تضحكونا بربكم بالحرص على تطبيق قانون الصحة العامة بمنع التدخين في الأماكن العامة، أرشدونا لإحدى مولات عمان التي يقصدها مئات الأطفال يملأ الدخان قصباتهم؟ من يعرف منكم دائرة حكومية لا يتطاير من غرفها دخان الموظفين قبل المراجعين؟ هل تعرفون وسيلة نقل لا يدخن فيها السائقون قبل الركاب حتى نستأسد على طبيب تجرأ ودخن سيجارة ؟

لأنك تعمل بضمير وانتماء لمهنتك ولوطنك وتعمل ضمن أقسى ظروف العطاء، ولأنك لم تنجرف خلف طلبات العمل في السعودية والخليج وبقيت تعمل أحياناً في بضعة غرف مهجورة كتبنا عليها يافطة مركز صحي تتبعثر فوق غبار رفوفها بضعة علب ريفانين فليس لديك حق نسيان مصائب ومصاعب الأيام لاستنشاق دخان سيجارة عابرة لذلك فأنت تستحق التنكيل من قبل أسيادك فتهان على الملأ بدل أن يبدأوا بمقاضاة من تسلل لداخل بيوتهم وانتهك خصوصياتها ونشرها فهل تعلمون يا سادة المبادىء ماذا كانت ستفعله إدارة كارفور لو قام زبون ليس بتصوير موظف يقطع الدجاج بل بتصوير رف المعلبات بأحد محلاته؟

في مستشفى البشير 192 طبيب اختصاص ( بينما هناك 2834 موظفا ) قاموا العام الماضي بمعاينة 90966 حالة إدخال واستقبلوا 460974 مراجعا في العيادات و589133 حالة اسعاف وطوارىء وأجروا 24464 عملية جراحية.

وعندما ينتظر المراجع لحالة طارئة ساعات طويلة وتتعرض صحته لمخاطر جسيمة بسبب قصور الإمكانيات البشرية والمادية يقوم بالاعتداء على الطبيب وبدل أن تقوم الوزارة بتصحيح المسيرة وتحسين ظروف العمل تلجأ للتغطية على تقصيرها فتتخذ إجراءات تدل على قصر نظر فتقرر وضع حراسات أمنية في أقسام الطوارىء.