سوريا يا حبيبتي.....

سوريا....لا ممانعة بعد اليوم

صحيح ان الجبهة السورية الفلسطينية تاريخا (الإسرائيلية فعليا) هي من أهدأ الجبهات العربية مع الذي كان عدوا بالأمس القريب وعلى مدى الاربعة والاربعون عاما منذ إحتلال إسرائيل لهضبة الجولان وحتى قبل ذلك منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتأسيس كيانهم على ارضها لم يكن في وارد البعثيين ومن قبلهم إطلاق رصاصة واحدة عبر الحدود وذلك قد يكون لصبر السوريون في المفاصلة حين البيع والشراء وهنا لا أقصد بيع الاراضي ولكن هذا يعني ان الحاكم السوري ليس مستعجلا حتى يحصل على افضل العروض للتسوية مع الاسرائيليين لذلك دأب على عدم الرفض مباشرة لأي عرض وانما ينتظر قليلا حتى يرى ردّة الفعل على تمنعه .

وحافظ القادة السوريون منذ عام 1975 على ثلاثة امور كان لها الاولوية في السياسة السورية تجاه القضية الفلسطينية إضافة لأولى الاولويات وهي إستغلال لبنان بتجارته وسياحته وانفتاحه لأعلى درجات الإستغلال وتلك الاولويات هي إبقاء الصيغة الإعلامية في الممانعة بالصلح مع إسرائيل وتعديل نبرتها حسب الظرف وثانيهما إحتضان المعارضة الفلسطينية وتكميمها وإعلاء صوتها حسب واقع الحال وثالثها هو إبقاء الجبهة هادئة حتى أن المراقب يظن أن سوريا قد أهدت الجولان لإسرائيل لإستغلالها عدة سنوات لم تنتهي حتى الآن , وحتى الرابع عشر من شباط عام 2005 استمر الحال على ما هوعليه.

عندها بدأت المؤامرة الامريكية الإسرائيلية ليُسكتوا حتى تلك الممانعة الإعلامية فقط  وللإسف لم يدرك الرئيس السوري جدّية ذلك مع ان هذا مستبعد على مثله  لما يتميز به من قدرة على التحليل والتنظير لأي موقف ولكنه  تغطرس بغروره نتيجة علاقته المتينة بحزب الله لبنانيا وإيران دوليا بالرغم من ان اول خطوة في المؤامرة عليه كانت هي إخراجه من لبنان وحرمانه من خيراتها وجعل الشبهات تحوم حوله وحول زلمه في اغتيال رفيق الحريري .

 ولكن المواجهة العنيفة والصمود الأسطوري لحزب الله في مقابل آلة العدو الصهيوني خلال حربه على لبنان عام 2007 زادت من غرور الاسد وجعلته يتمادى حتى في أولوياته نحو القضيّة الفلسطينية بالرغم من التجاوب مع الوساطة التركيّة وكذلك إستمرار العقوبات الأمريكية ضد سوريا  وزاد غرور الأسد ايضا التقارب الفرنسي بقيادة ساركوزي لسوريا .

ودخلت سوريا في لعبة التحالفات العربية في مؤتمر الدوحة ومؤتمر شرم الشيخ ومؤتمر الكويت وكل تلك التحالفات جلبت وجع راس للأسد وأثرت على أولوياته .

ونظرا لأن المجتمع السوري كمعظم المجتمعات العربية يواجه حياة إقتصادية ومعاشية صعبة ونظام حكم شبه دكتاتوري وأقلية علوية على رأس الحكم  فإن الثورات الشعبية العربية وبتصعيد إعلامي مثير إمتدّت لتثور سِلميا في مدينة درعا في جنوب سوريا وثم إلى مدن أخرى.

ولم يتدارك الرئيس السوري الوضع بأن يقف مع شعبه ليخفف عنهم ويسهل معيشتهم  بل عمد إلى إعطاء القيادة الفعلية للأجهزة الامنية لشقيقه ماهر الذي نكّل بالمواطنين  وأصبح الرئيس يتنازل لاحقا ولكن بعد تسارع إزدياد عدد القتلى والجرحى والمشردين  حتى اصبح المطلب الرئيس للمتظاهرين هو تغيير نظام الحكم وتنحي الرئيس عن الحكم .

ومما زاد الامور تعقيدا وعزز رغبة الامريكان والاسرائيليين لتشيجع الاطاحة بالنظام الممانع لفظا فقط هو الايعاز لشباب فلسطيني بتنسيق مع الجبهة الشعبية القيادة العامّة لإقتحام الأسلاك الشائكة الفاصلة في الجولان بين الاراضي المحتلة والارض السورية في ذكرى النكسة حيث اعتبرت إسرائيل النظام كمن صمت دهراونطق كفرا وباتت ممانعته اللفظية مشكوك فيها ومحافظته على الهدوء الحدودي مطعون في مصداقيته .

كما ان النظام السوري يبدوا انه اعطى وعودا للأمريكان بتخفيف التقارب مع إيران وأنه إتجه فعلا للتقارب مع تركيا وفي ظل هذا التخبّط فقد الدعم الإيراني في محنته كما فقد الصداقة مع تركيا الجار الأقرب ولم يبقى نصيرا له سوى حزب الله الذي يعتبر سوريا الشريان الوحيد له خارج لبنان وهو صلة الوصل الوحيدة المريحة له مع إيران .

إن سوريا التي تُحكم من حزب البعث منذ خمسون عاما وتُحكم من عائلة الأسد العلويّة منذ  اربعون عاما أوشك هذاالحكم أن ينهار  بسبب اخطاء وغطرسة ليس لها مبرر ولم يُعطي الرئيس إنطباعا بصدق رواية المؤامرة المزعومة على سوريا وقيادتها وشعبها خاصة ما يظهر على الفضائيات من تصرفات لبعض الجنود والشبّيحة والتمثيل بالجثث وغيرها وبالرغم من عدم الجزم بصدقيتها كلّها فإنها تعطي إنطباعا سيئا عن النظام  والبعثيين الملتزمين معه .

وإذا كان الرئيس يريد أن يخرج من الأزمة بأقل خسائر عليه أن يُقيل اخاه ماهر عن كل المناصب ويبعد حزب البعث عن الحكم ويعتبر جميع من قُتلوا من المواطنين والاجهزة الامنية شهداء ويُدفع لهم تعويضات والتكفل بمعالجة جميع الجرحى داخل وخارج البلد وان يسرع في الخطوات الإصلاحية التي إتُخذت سابقا . وبذلك يكون الاسد حفظ سوريا وممانعتها وكسب رضى وقبول الشعب العربي لأنها ستكون الدولة العربية الوحيدة التي تمانع الصلح مع العدو فعلا إلاّ  ضمن اطار عربي واحد وندعوا ان يحمي سوريا الابية من كل مكر ومكروه .

نرجوا الله ان يحفظ الشعب العربي السوري حرّا كريما ويحقق امانيه في الحرية والديموقراطية

عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب يوما ومعه على المنبر الحسن بن علي ، فجعل ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى ويقول : " إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " . فكان كما قال ، صلوات الله وسلامه عليه ، أصلح الله به بين أهل الشام وأهل العراق ، بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة .

)وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ( 9 ) إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ( 10 صدق الله العظيم

المهندس احمد محمود سعيد                    دبي – 25/6/2011