قضية قاعدة الجفر: داخل النص



ما تزال تداعيات الحكم الذي أصدرته محكمة أمن الدولة بحق العسكري معارك أبو تايه في حادثة قاعدة الجفر الجوية التي راح ضحيتها ثلاثة عسكريين أميركيين في شهر تشرين الثاني الماضي تتصاعد شعبيا. هناك شعور عام واسع بحق العسكري المحكوم بالبراءة او بحكم مخفف، وهذا ما يردده أهل معارك أبو تايه وكثير من الناس على اعتبار ان ما حدث اقرب للقتل بالخطأ او ما سمي حينما وقع الحادث بتطبيق قواعد الاشتباك، ولكن الى هذا الوقت لا يجوز بأي شكل تخطئة المحكمة بل احترام حكمها وعدم السماح بالمس بمكانة القضاء والمطالبة بذات الآلية القضائية بمراجعة الحكم والطعن به في مرحلة الاستئناف.
لا تكفي مشاعرنا وعواطفنا وحدها لإقامة العدالة مهما كانت مبرراتها. هناك اربعة محددات تحكم المصلحة العامة في هذه القضية؛ الاول: ضبط ردود الفعل الشعبية وتفويت الفرصة على كل من يحاول استغلال مثل هذه الاحداث، ولقد أثبتت قبيلة الحويطات في ردود افعالها الاولية حالة متحضرة ومنضبطة فقد نظموا مؤتمرا شعبيا ضخما قال شهود انه غير مسبوق في حجم الحشد الشعبي وفي التنظيم والانضباط، فهذه القبيلة العريقة ذات التاريخ الوطني الاصيل تتصرف داخل النص الوطني الأردني، ومن المؤمل ان يبقى تاريخها الأصيل هو البوصلة التي توجهها في الايام القادمة. ثانيا: ان من حق المجتمع الأردني ومن حق الحويطات واهل المحكوم ان يلمسوا توجها رسميا واضحا ومحددا بان مرحلة استئناف الحكم لن يشوبها اي غموض وأن تتم بشفافية عالية، ومن حق ابو تايه ان تتوفر له ضمانات عادلة في مرحلة الاستئناف أو إعادة المحاكمة بدون اي تأثيرات سياسية خارجية او داخلية.
الامر الثالث المهم هو الحاجة الى المزيد من الوضوح السياسي والإعلامي في التعامل مع هذه القضية وردود الأفعال وغيرها، فقد شهدنا روايات متعددة بين رواية تطبيق قواعد الاشتباك الاولى والتي كانت مقنعة للرأي العام وقت وقوع الحادثة حينما كانت عملية مخيم الركبان الإرهابية ما تزال حاضرة في ذاكرة الناس، وبين روايات أخرى متعددة بعضها تحدث عن اشتباكات سابقة وقعت داخل القاعدة بين قوات اميركية وقوة اخرى تشارك في تمرين عسكري. لم نسمع ردا رسميا او توضيحا حول هذه الروايات، وبعد صدور الحكم نلاحظ ان استمرار حالة الغموض السياسي يسهم بشكل مباشر وغير مباشر في حالة توظيف إعلامي وفبركة أخذت تتصاعد خلال الأيام الماضية بعضها داخلية وأخرى خارجية.
الأمر الرابع الذي تستدعيه هذه القضية أنها تفتح بوضوح ملف تنمية البادية الجنوبية، وحجم الإخفاق الذي حصدناه خلال عقود من التنمية الشكلية، ما يستدعي اليوم مشاعر غاضبة وشعورا عاما وسط هذه المجتمعات بالظلم وأنها همشت طويلا، وهو ما يجعل من السهل وصولها الى استنتاجات وخلاصات غاضبة تنسحب على موقفها من الدولة ومن المؤسسات العامة، وهو ما لم يحدث على الرغم من محاولات الاصطياد الإعلامي والسياسي. إننا نسمع صفارة انذار جديدة كيف ينعكس التهميش التنموي في تطوير مواقف احتجاجية قد تكون غير متوقعة واحيانا في خارج السياق. ما يحتاجه الناس وضوحا سياسيا حقيقيا، واحتراما للعدالة مهما كانت قاسية أو مهما كان ثمنها.