زواج القاصرات من منظور مختلف


الجدل الذي اندلع مجدداً حول زواج القاصرات أو زواج الأطفال يتعدى التعليمات الجديدة التي أصدرتها الحكومة والمتعلقة بالاستثناءات أو الحالات التي يجوز من خلالها الزواج ممن أتم الخامسة عشرة، ولم يتم الثامنة عشرة للقانون نفسه.

القانون حدد سن الزواج بالثامنة عشرة، ولكن التعليمات الصادرة حول هذا الموضوع حددت مجموعة من الاستثناءات أو الحالات التي يسمح بها الزواج دون السن القانوني.
بدون الخوض في تفاصيل هذه التعليمات التي كانت مدار جدل بالأيام الماضية، فإن الممارسة الفعلية لتطبيق التعليمات تدل على أن هذه التعليمات التي من المفترض أن تكون للحالات الاستثنائية أصبحت بمنزلة رخصة لبعض الناس لزواج أو تزويج القاصرات. إذ تدل البيانات الرسمية في السنوات الماضية على أن نسبة اللواتي يتزوجن دون سن الثامنة عشرة تبلغ سنوياً 13-14 % من كل الزيجات التي تحصل بالأردن، وهذا يعني أن التعليمات أتاحت المجال لمن تتفق مصلحته أو وجهه نظرة فيما يتعلق بالزواج المبكر أن يقوم بذلك.
وحتى نتجنب تكرار المواقف والآراء المطروحة، فقد نكون بحاجة لمقاربة شاملة لهذا الموضوع تشمل جميع الأطراف المعنية. ويمكن تلخيصها بالتالي:
أولاً: الطرف الأساسي في هذه المجادلة هو الإناث أنفسهن، وتأثير الزواج المبكر (دون السن القانوني) عليهن وعلى حقوقهن وعلى مستقبلهن. وهناك شبه اتفاق على أن الزواج المبكر سوف يحرم الإناث من فرصة التعليم، وفرصة العمل المستقبلي. وعليه؛ فإنه يضع محددات شبه نهائية على فرصهن باتجاه العملية، وعلى الأرجح أن يكون الزواج هو نهاية المطاف بالنسبة لهن. كذلك، فإن وعيهن الكافي قد لا يكون قد تطور لديهن في هذه السن لإنجاز هذا القرار، وليس من المستبعد أن يكنّ قد تعرضن إلى نوع من الإكراه الناعم أو الخشن للزواج، وهذا يعدّ شكلاً من أشكال العنف ضد المرأة، فضلاً عن الآثار الصحية السلبية على المرأة، وذلك نتيجة للحمل المبكر.
ثانياً: إن سياسة الحكومة الخاصة بالسكان تهدف إلى تخفيف النمو السكاني، وتقليل حجم الأسرة بشكل طوعي من خلال برامج التوعية، وتنظيم الأسرة، والمحافظة على صحة المرأة وتعليمها.
وإذا ما أخذنا الممارسة الفعلية بهذا النوع من الزيجات؛ فسنجد أنها سوف تطيل العمر الإنجابي للمرأة، ومن المرجح أن البيانات في دائرة الإحصاءات العامة تدعم ذلك. إذاً، فالسماح لزواج القاصرات بهذا الحجم يتعارض مع سياسة الحكومة في ترشيق حجم الأسرة، والمحافظة على صحة المرأة والطفل في الوقت نفسه. أي أن هناك سياسة في جانب تعطل وتضرب أهداف سياسة أخرى في جانب آخر.
ثالثاً: إن الزواج والإنجاب ممارسة شخصية وفردية وحق لكل مواطن أردني، ولكن بالمقابل فإنه يجب التوقف والتفكير في آثار وتبعات هذا السلوك الفردي على المجتمع بشكل عام، وعلى الحكومة وسياساتها في الوقت نفسه، وعلى حقوق بقية المواطنين الذين يدفعون الضرائب وكيفية إنفاق الأموال العامة. هناك ثلاثة أبعاد للزواج المبكر والإنجاب الكثير على الحكومة وسياساتها وإنفاقها، وهي: التعليم والصحة والعمل. ومن المعروف أن واجب الحكومة أن توفر التعليم اللائق والصحة المناسبة لهؤلاء الأطفال وغيرهم بالمجتمع. وعليه؛ فإن على الحكومة أن تفكر بهذا البعد، وأن لا تسمح لسلوكيات بعض المواطنين بالتأثير سلباً على المصلحة العامة سواء بهذا الجانب أو غيره.
إن العديد من الدول تسعى للتأثير على السلوك الإنجابي للمواطنين، فهي إما تحفزهم على الإنجاب في حال النمو السلبي وتراجع السكان في بعض الدول أو تحاول أن تقنن الإنجاب بوسائل مختلفة في حالة النمو السكاني المرتفع وشح الموارد، كما هي الحال في الأردن.
كل المجتمعات تسمح لحالات محددة بالزواج دون السن القانوني، ولكن عادة ما تكون بحق ظروف محددة وفي حالات استثنائية. وهذا يجب أن يظل قائماً في الأردن أيضاً، ولكن الواقع الفعلي أن القانون الحالي تقريباً يتيح لمن يشاء أن يزوج طفله دون السن القانوني، وهذا له نتائج سلبية كبيرة يجب الوقوف عندها بجدية ومسؤولية.
إن الحكومة اليوم مطالبة أمام المجتمع أن تجري تقييماً شاملاً لنتائج هذا القانون من جوانبه كافة، وبخاصة منذ العام 2011 وحتى الآن من خلال الرجوع لملفات الزواج المبكر لمعرفة مدى مطابقة هذه الحالات للقانون ودراسة انعكاساتها على المرأة والأسرة والأطفال وعلى السياسات الحكومية والتوجهات العامة للدولة.