الحكومات الأردنية


بلا شك يستطيع الأردن من دون غيره من دول الاقليم - على الأقل - طرق أبواب كتاب غينيتس للأرقام القياسية, لاحتلال صفحة كاملة فيه, لأنه يتميز عن غيره بقصر عمر حكوماته, منذ تأسيس الامارة وتطورها الى مملكة, وها هو عدد حكوماته منذ تسعين عاما يصل الى أربع وتسعين حكومة .ويبلغ عدد وزراء الحكومة الحالية المرشحة للتغيير بين عشية وضحاها 27 وزيرا, طار منهم اثنان قبل أيام على خلفية سفر رجل الأعمال السجين خالد شاهين, وهما وزير الصحة ووزير العدل وبقي 25 وزيرا عاملا.

وحسب التسعيرة الجديدة, فان راتب الوزير هذه الأيام لا يقل عن ثلاثة آلاف دينار أردني رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد وكبر حجم المديونية الذي يزيد على أحد عشر مليار دينار أردني, والاعتماد الكبير على القروض والمنح الخارجية, ومعاناة الموازنة الدائمة من العجز المتواصل, وعدم الجدية في محاربة الفساد ولجم الفاسدين.

يشكو المسؤولون الأجانب, وخاصة من الدول التى تقوم بتمويل مشاريع تنموية في المملكة, من مغادرة الوزير الأردني المعني لموقعه بعد الاتفاق على تنفيذ مشروع أو برنامج تنموي ما, فما أن يعودون الى بلدانهم حتى يسمعون أنه طار, فيضطرون لاجراء محادثات جديدة مع خلفه الجديد الذي يأتي ويشطب كل سياسات سلفه, مع ما يتطلب ذلك من جهد واضاعة وقت بالنسبة للمسؤول الأجنبي.

كل وزير جديد يأتي الى مكتبه بتوجه يختلف عن الوزير السابق, ما يتطلب زيادة الخسائر بدلا من تلافيها, ناهيك عن الحملة الزائدة من الموظفين المنتمين لعشيرته الذين يعينهم ليقال أنه خدوم.

هناك ملاحظة أخرى وهي أن الوزراء يقعون تحت ضغط النواب الذين لا يكلون ولا يملون من الطلبات وفي مقدمتها تعيين مراسلين في الدوائر الحكومية ويقال أن هناك العديد من الدوائر تمتلك المئات وربما أكثر من ذلك من الموظفين الذين لا يعلمون مواقع دوائرهم, ولكنهم يتوجهون للبنك كل آخر شهر للحصول على رواتبهم, كما أن الخزينة تعاني ارهاقا شديدا بسبب رواتب الوزراء التقاعدية.

يقال من باب النكتة, ولكنه خطاب يحاكي الواقع " معالي الشعب الأردني " كناية عن عدد الوزراء المتقاعدين, وهناك من يشكو من الوزراء أن مكتبه يكون مزدحما بالزوار والمهنئين, لكن بيته لا يدخله أحد بعد اعفائه من المنصب, وربما لا يصافحه أحد.

عادة سيئة أخرى, هناك من يصنعها وينفخ النار فيها, وهي أنه في اليوم التالي لاعلان تشكيل الحكومة تبدأ التساؤلات : متى ستتغير أو يجري تعديلها?

وتكبر هذه التساؤلات يوما بعد يوم لتصبح شائعات تتحدث عن موعد التغيير أو التعديل, ويجتهد أصحاب الاشاعات والمستفيدين منهم لطرح أسماء الوزراء المغادرين والوزراء المتوقعين, وتصل الأمور بالبعض الى القسم بأغلظ الأيمان أنهم اتصلوا به وأخبروه أنه مرشح كي يصبح وزيرا ! وهذا ما يجعل الوزراء العاملين يعانون أثر الصدمة لما يسمعوه ويقرأوه ويجمدون أعمالهم انتظار لأمر الانصراف, وربما تطول المدة وهم على هذه الحال. فتتعطل أمور البلاد والعباد على حد سواء .كما أن المستوزرين وما أكثرهم يستنفرون في بيوتهم ويقبضون على أجهزة هواتفهم باستعداد ظنا منهم أن الداعي سيهتف بتكليفهم وزراء.

أحد رؤساء الوزراء السابقين قال لي قبل أيام أنه ذهل للحراك الذي شهده قبيل تشكيل الحكومة الحالية, وأنه صدم كذلك لسعي الكثيرين الحثيث ومواصلتهم الدؤوبة لطرق أبواب كبار المعنيين بتعيين الوزراء, كي يتم ادراج أسمائهم في كشف الوزارة الجديدة وأن غالبيتهم تذرع بأن ( الآخرين ) ليسوا أفضل منهم.

اضافة الى قصر عمر الحكومات الأردنية, هناك مشكلة أخرى وهي أن الناطق الرسمي باسم الحكومة لا يتحصل على المعلومات المطلوبة, مما يوقعه في حرج كبير امام الصحافيين المتعطشين للمعلومات من مصادرها.

المشكلة الأكبر في الأردن هي أنه لا الوزير ولا رئيس الوزراء, يأتون الى الوزارة ببرامج محددة كما هو الحال بالنسبة للدول المتقدمة, لذلك لا تتم محاسبة أحد عند الفشل المتكرر في تنفذ كتب التكليف السامي.

لذلك فان المطلوب أولا الوصول الى مرحلة تأتي فيها الحكومات من رحم الأحزاب الجادة التي تخوض الانتخابات النيابية وفق برامج شفافة, وتحمل معها برامج ومشاريع واضحة وأن تعطي الوزارة الوقت الكافي لتنفيذ برامجها التي أقرها الشعب في الانتخابات وعند ذلك تسهل محاسبة الوزارة بكامل طاقمها كما هو الحال عند الآخرين, ولا أظن أننا في الأردن أقل شأننا من هؤلاء الآخرين, وما ينقصنا فقط هو اتخاذ القرار للولوج الى هذه المرحلة.