البنية الثقافية لأحرار الطفيلة
معلمون ومعهم نفر من أساتذة الجامعات، وعمال، وعاطلون عن العمل، ومتقاعدون، وشباب جامعات، وفي البيوت مئات من الفاضلات ممن تخرجن من الجامعات الأردنية ولا يجدن الوظيفة في مناطق مغلقة أمام التنمية، هؤلاء يريدون صناعة ثقافة جديدة تقوم على الديمقراطية التي تعني بالنسبة لهم تغيير النخب وتوالدها بشكل جديد داخل جهاز الدولة، ما يسمح للناس البسطاء بالتقدم في التمثيل الوظائفي أو درجات الدولة المتقدمة وبعدالة، وإنهاء توريث المناصب. هي ثقافة ديمقراطيةَ حقيقيّة تحتضن حريّة التعبير والعدالة الكاملة في تنمية كلّ الجهات، بحيث يوضع حدّ لتهميش الأطراف على حساب تنمية المركز.
وأحرار الطفيلة اسم لم يستنبت بشهوة مسؤول سابق أو راغب في وجاهة، لكنه يرهن معناه بأفق الحرية المتاح والمقرون بواقع الدولة. وقد تحدث الشباب حول ذلك، وكانت الكلمة التي ألقاها أمام جلالة الملك خلال زيارته للطفيلة الدكتور أحمد العمايرة واضحة، إذ أكدت على أن الحراك جاء بوحي من أفكار الملك بمحاربة الفساد وتحقيق الإصلاح. وجاء في مقابلة جلالة الملك مع صحيفة "واشنطن بوست" أن أحداث الراهن أعطته فرصة كان ينتظرها منذ أحد عشر عاما.
والحال هذه، فإن المأمول أن تتحول المطالب الشعبية بالإصلاح إلى وثيقة ذات إطار سياسي واضح، مع الإبقاء على أهمية مطالب المواطنين المحلية والمتعلقة بالتشغيل والتمثيل والتنمية التي تخلق فرصا أفضل لحياة الناس. وكما الحال في الطفيلة قد تكون المسألة في ذيبان؛ فهناك وعي سياسي وقوى يسارية وفكرية وشباب متعلمون يسعون للتأسيس لثقافة ديمقراطية تعلي من شأنهم، عبر العدالة والحرية ومكافحة الفساد، فهي تنهل من قيمة الديمقراطية التي يتضاءل حضورها بفعل وجود مجالس نيابية ضعيفة بعد مجلس 1989.
والسؤال هنا: لماذا يتحرك الناس في الأطراف بكثافة مع ديمومة مرشحة للاستمرار؟ أعتقد أنه نتيجة لاستقرار الحرية في الفكر والممارسة، والإحساس العالي لدى أهل الأطراف بقيمة الوطن والدفاع عنه. فالأطراف تبدو أكثر حساسية في مسألة الإصلاح، وتظهر اللغة السياسية هناك أقوى، وهي موجهة ضد الروح الفردية التي حكمت بعض المسؤولين، ولتيار من القيادات الليبرالية وغير الليبرالية التي انفردت بمصائر الناس وألحقت بالبلد ضررا كبيرا. وما يميز الحراك الشعبي تراجع حضور العشيرة، لتستقر الدولة والوطن كرابطة أولية جامعة. ويجري هنا رفع أسماء ورموز ثقافية وسياسية ووطنية أمثال وصفي التل وهزاع المجالي وعبدالحميد شرف، والتي تعبر عن شعور عفوي وقويّ لدى المواطنين بالأولويّة الكبرى لصالح استعمال لغة سياسية وطنيّة. وهم هنا يفتخرون بذلك الإرث الوطني وينادون بالإبقاء عليه وبصيانته، وفي خط مواز يرفضون التخلف والفساد والانفراد بالقرار من قبل المسؤولين.
وفي الوقت الذي يرتفع فيه دور المجتمع المدني على حساب البنى التقليدية في حراك الأطراف، فإن الحضور الأهم الذي يسجل اليوم في الطفيلة وغيرها يبشر بولادة نخبة واعية سياسيا ومحترمة وليست ملتبسة، وهي بعيدة عن قيم الخنوع والقبول بتغليب المصالح الفردية. والسؤال أكثر عن المستقبل وليس الحل الطارئ لأزمات مثل البطالة. أما اسم "أحرار الطفيلة"، فهو وإن قام على التخصيص إلا أنه موجه وذو رسالة واعية تحمل من الحرية قيمتها الرمزية، ما يجعل هؤلاء الناس الصادقين غير قابلين للمساومة ولا يعرفونها في قاموسهم، وهم فوق كل ما لديهم من مطالب مناطقية منشغلون بالهم الأكبر وطنيا وهو مكافحة الفساد، ويرون أن الوطن واستقراره أهم من عشرة فاسدين خلف القضبان.