العرب وفرضية شجرة ام الشرايط
العرب وفرضية "شجرة أم الشرايط"
أحمد الربابعة
قد يظن البعض، خصوصا من يعرف بموضوع شجرة أُم "الشرائط/الشرايط"(1) ؛ أن مقالتنا هذه من النوع الساخر؛ لكن حقيقة هذه المقال أنها تقدم لفرض، يمكن أن يُصنف كأحد موضوعات علم النفس الاجتماعي، وعلم الاجتماع السياسي كذلك.
ويجدُر بنا هنا أن نطرح قصة شجرة أم الشرايط التي سادت المجتمعات والجغرافية العربية، قبل أن نولد تلك الفرضية، التي نسبناها لأسمها وصفتها، ونبين تشابه اعتقاد وسلوك الإنسان العربي في الماضي مع تلك الشجرة، واعتقاده وسلوكه منذ عشرات السنين مع قضاياه السياسية.
أما عن شجرة أم الشرايط؛ فهي شجرة تكون مميزة الشكل عن غيرها من أشجار منطقتها، أو ذات هيبة، درجت العادة عند بعض المجتمعات العربية في الماضي، وربما حتى الآن، على تمجيدها وتعظيمها؛ اعتقادا منهم أنها تقرب اتصالهم مع الإله ، أو تجلب لهم الحظ وتيسر الأُمور؛ فيقومون بتعليق وربط الأشرطة القماشيه التي انتزعوها من ملابسهم على غصونها؛ لما يعتقدون أنها تُحقق أُمنياتهم وتضرعهم بجلب المسرات أو درء المصيبات، وذلك بعد أن يقوم كل من يزور أو يمر بتلك الشجرة بتعليق الشريط الذي أحضرة معه أو مزعه من ثوبه، ويعلق معه أمنيته أو رجاءه . ولهذه الشجرة غير مسمى، منها : شجرة أُم الشرايط، الشجرة الفقيرة، شجرة الشيخ فلان (نسبة إلى رجل صالح أو ولي، دفن بجانها أو سكن تلك المنطقة).
وعن شجرة أم الشرايط حاليا؛ فنستطيع القول أنها تلاشت وتلاشى الاعتقاد بها كذلك، للحد الذي لا نراها فيه إلا في المسلسلات التلفازية التي تحكي عن الماضي، أو بالسماع عنها في أحاديث الأجداد والآباء، لكن ما لم يندثر إلى اللحظة، وظل مرافقا للإنسان العربي، (وهنا وجه الشبة بين اعتقاد وسلوك الأجداد الخرافي مع شجرة أُم الشرايط، واعتقادنا وسلوكنا مع قضايانا السياسية) هو طريقته في تفسير كثير من قضاياه، خصوصا السياسية منها؛ بتعليقها على جهات، وأشخاص أو جماعات، ليسووا ذو علاقة مباشرة بقضاياهم، أو مسئولون عنها بالأحرى.
أما التفسير العلمي لمثل هذا السلوك والاعتقاد، فقد جاء في ميدان علم النفس، وعلى يد عالمة (جوليان روتر Rotter) الذي بين طريقتين من التفكير يمكن أن يستخدمهما الإنسان في تفسير سلوكه، وعبر عن ذلك بمفهوم (مركز الضبط Locus of Control)(1) لدى الإنسان، والذي يعني الطريقة التي يعزو أو يفسر بها الإنسان أسباب نجاحه وفشله، ومن ثم تصرفه بناءا على ذلك التفكير، ويقسم إلى قسمين :
- الأول : مركز الضبط الداخلي : فإذا كان الإنسان يعزو أسباب نجاحه وفشله إلى عوامل متعلقة به شخصيا، وتقع تحت مقدرته ومسؤوليته؛ فإننا نقول عنه : أنه شخص ذو (مركز ضبط داخلي).
- الثاني : مركز الضبط الخارجي : وهنا إذا كان الإنسان يعزو أسباب نجاحه أو فشله إلى عوامل خارجية كالقدر أو أشخاص اخرين، وقوى خارج سيطرته ومسؤوليته؛ فإننا نقول عنه هنا : أنه شخص ذو (مركز ضبط خارجي).
وهنا يتضح لنا كيف أن العرب قضوا وطرا من زمنهم، وهم يعزون أسباب فشلهم إلى عوامل خارجية؛ أي أنهم كانوا ذوو (مركز ضبط خارجي)؛ بالرغم من أن فشلهم في كثير من الأحيان كان مرده حالة التخلف والانقسام التي رافقت الشخصية العربية . فعلى سبيل المثال : يعزو كثير من العرب سبب ضياع فلسطين واحتلالها، إلى (وعد بلفور)، مثلما يعزون سبب فرقتهم وتشرذمهم إلى (معاهدة سايكس بيكو)، كذلك عزوهم كثير من مشكلاتهم وحالة التردي التي يعيشونها، إلى إسرائيل وأمريكا، أو الحركة الصهيونية واليهود؛ لكن عند مراجعتنا لتاريخنا مع تلك الأحداث، سنجد أن حالة التردي التي مرت بها الشخصية العربية، هي التي كانت السبب الرئيس في خروج تلك الأحداث بهذا الشكل، وأنه في الوقت الذي أقدم فيه اليهود على احتلال الأرض الفلسطينية والعربية، كانت أي دولة في العالم أو عصابة بحجم عصابة اليهود آنذاك (مع لفت الانتباه إلى أن اليهود عندما دخلوا فلسطين لم يكونوا دولة، وإنما عصابات منظمة) قادرة على احتلال فلسطين، وفعلا هذا ما حدث. طبعا مع عدم نفينا لتلك المعاهدات والدول كأسباب في قضايانا؛ ولكن ليس بالمستوى الذي يتحدث به الإنسان العربي.
ولا يقف استخدام العرب لمركز الضبط الخارجي في تفسيرهم لفشلهم فحسب؛ بل يتعداه أيضا لتفسيرهم لبعض نجاحاتهم كذلك، فنجد أن من العرب من يرى أن التقدم والانتصار في قضايانا العربية قد لا يتم إلا من خلال انتصار الأمم المتحدة لنا، أو مساندة روسيا، أو ما شابه، بل إن هناك من ينسب ربيع الأمة العربية الحالي، والنضج السياسي الذي حققته الشعوب العربية الآن خلال ثوراتها؛ بأنه نتيجة تحكم خارجي، وسياسات مدبرة تفوق إرادة وقدرة الإنسان العربي؛ ولعمرنا : هل قالت أمريكا لـ (محمد بو عزيزي) أشعل نفسك ؟! أم هي من غرست حمية ذوي القربى في أبناء عمومته وحارته الذين لم يتجاوزوا الخمسين فردا عندما ثاروا له.
وفي الدين الإسلامي يوجد ما هو مشابه لمركز الضبط عند علم النفس؛ وهو مفهومي كل من (التوكل والتواكل)، حيث أن الأول يشير إلى اقتران توفيق الله بجهد الإنسان في الأخذ بأسباب الحياة التي يستطيع تحقيقها بنفسه، وهو يتقارب مع مفهوم مركز الضبط الداخلي . بينما يشير الثاني إلى الاعتمادية على الخالق أو الغير في تحقيق ما يصبو إلية، وهذا ما يتقارب مع مفهوم مركز الضبط الخارجي.
وفي العلاج النفسي، فإن مما يمكن أن يقود للتعافي والاستقرار النفسي عند الإنسان الذي يمكن أن يظهر اعتقادا أو سلوكا ينطبق على القاعدة السابقة؛ هو أن يتم تحديد مركز الضبط لذلك الشخص بداية، أكان داخليا أم خارجيا، ومن ثم تبصيره بالأسباب الحقيقية وراء سلوكه، ووراء نجاحه أو فشله، ليقوم بالتعامل مع أحداث الحياة التعامل السليم، القائم على تقدير إمكاناته وقدراته، وإمكانات وقدرات الآخرين كذلك.
وهنا يطلب من العرب أن يخرجوا من حالة تدني اعتبار الذات أولا، وأن يؤمنوا إيمان القلب المتبوع بالفعل والسلوك، أنهم قادرين على حل مشكلاتهم مهما صعبت، وبلوغ مجدهم بين الأمم، واستعادة ماضيهم المشرف . بل يطلب منا أيضا أن لا ينحصر رجائنا ودعائنا بعدم استخدام أمريكا للفيتو ضد قرار يدين إسرائيل ! أو أن يبقى أردوغان وحزب العدالة والتنمية في السلطة حتى ينتصر لقضايانا ! أو أن يتسلم هيئة الأمم المتحدة أمين عام عربي أو مسلم، حتى ينحاز لقضايا أمته ! أو أن تجازف روسيا ببناء مفاعل نووي عربي أو إطلاقها لهم قمر صناعي عربي، يمكن أن يشكلا ردعا عن الأمة لعربية ! أو أن يبعث الله لنا (لورنس) آخر!
(1) يُعتبر موضوع (مركز الضبط) من المواضيع ذات الأهمية في علم النفس، والتي استجرت دراسات متعددة، يمكن الاستزادة من هذا الموضوع في كتب علم النفس الاجتماعي، وتحديدا في موضوع التعلم الاجتماعي.
Ebnalss7raa@hotmail.com