رائعة الدرك

 

رائعة الدرك
أجود حسن عتمة
لم يكن يومًا عاديًّا الثلاثون من نيسانَ المنصرمِ، ففيه تقاطرت حباتُ الخير من سماءِ الوطن على ترابه الزكيِّ؛ لتنسجَ بساطًا بطُهر الثلج، يغُذُّ الخُطى عليه وفدٌ نظّمه منتدى جبل العتمات الثقافي، ضمَّ نُخبًا وقياداتٍ ووجهاءَ محافظةِ جرش. دلفوا آحادًا وزرافاتٍ على إيقاعِ عشق الوطن واحترامِ مؤسساتِه نحو قيادةِ قوات الدرك. فاشرأبَّت قلوبُ ونفوسُ الوفدِ وكلَّلتها مشاهدُ الاعتزاز عند غُرّةِ بوابتها رائعةِ التصميم والبناء؛ وهي تُقسِمُ للزوار أن خلفَها رافدٌ عَذْبٌ يتدفقُ من نهر العطاءِ الأردني. أحاطَ بنا ثلةٌ من نشامى الدركِ بوجوهٍ مستبشرةٍ، يقبضون على سلاحيْ الخُلُقِ والواجب، يتسابقونَ بأدبٍ جمٍّ، يُشرعونَ الأبوابَ أمامَ رحالِنا، حتى استرخى رجالُنا في قاعة الاستقبال الأنيقة، ينتظرون أن ينتصفَ نهارُ يومٍ استثنائيٍّ حيثُ الموعدُ للقاءِ مدير عام قوات الدرك؛ ليحُفَّ الوفدَ ويحتفيَ به كوكبةٌ من الضباطِ والأفرادِ موسومةٌ سواعدُهم بعَظَمةِ دورهم ونُبْلِ رسالتِهم.
 
ما إن تطابقت عقاربُ الساعةِ الثانيةَ عشرةَ حتى وصلَ رأسُ الهرمِ لقوات الدركِ – اللواء الركن توفيق الطوالبة – إلى حلقة ضيوفه وهو يتدفقُ شبابًا ممتلئَ الإرادةِ يتَّشِحُ بألقِ قيمِ الجُنديةِ وتألُّقِ قيَمِهِ الإنسانيةِ مصافحًا ومرحِّبًا. يتوسطُ الحضورَ بدبلوماسيةٍ رفيعةٍ، يوقدُ فيهم جذوةَ الهِمَمِ، ويختزلُ بدقائقَ ذاتِ معانٍ قيّمةٍ نشأةَ وتطورَ ودورَ هذه القواتِ؛ ليضعَ أعضاءَ الوفدِ على خارطة الإبداع النوعيِّ والإنجاز التراكمي الذي حققه منتسبو الدرك في زمنٍ قياسي عبر عامين من التصميم، وبهديِ وتوجيهِ وحرصِ جلالة القائد الأعلى – حفظه الله - .
 
ثم عُرضَ فيلمٌ وثائقيٌّ يستعرضُ فيه أحدُ كبار الضباط مراحلَ الصبر والجَلَدِ، فحملَ الحضورَ على أجنحةِ الثقةِ والتفاؤل، لتشيَ تفاصيلُ العرضِ بقيمة لذة التعب ولآلئِ قطراتِ العرق، وهي تنبضُ في صدور الرجال بسموِّ النفسِ وعلوِّ الهمّةِ وعزمِ السواعد وكرامة الإنسان وحب الوطن؛ ممهورةً بنشوةِ التضحيةِ وجماليةِ التحدي، وهتافُهم يموسِقُ الأثير (حِنّا الدرك للمعترَك ... ).
حمى الله نجومَ الدركِ وهم يبذرون حباتِ قلوبِهم في سويداءِ الوطن، ليتوضأ ترابُه بعرقِ الجباه السامقة. درعُهم الثقةُ بالنفس وتِرسُهم قدراتُ الذات، يسرجون خيلَهم باقتدار الفرسان، تسابقُ الريحَ لامتلاك مضامينِ التفوق وسبرِ آفاقِ الحداثة. فلا تلينُ لهم قناةٌ، ولا يفترُ لهم عزمٌ، عندما يؤذن فيهم الواجبُ لتبقى عمان المطمئنةُ على وسائدها السبعِ سنبلةً تتشابكُ حولَها الأكفُّ الطاهرةُ وكحلةٌ تزيّنُ عيونَ عاشقيها وساكنيها.
 
إنها قواتُ الدركِ، وهي تضيءُ شمعتَها الثالثة، ستبقى رائعةً من روائع أجهزتنا الأمنية، أصلُها ثابتٌ وسيفُها ساطعٌ، وأفعالُ فرسانِها تملأ الدنيا سلاما. حقيقٌ بالتاجِ كلُّ جنديٍّ في صفوفِها وهم يقرءون بارتواء في الفكر العسكري للملك المفدى ومن معينه الملكيِّ الخَصْب يمتثلونَ من معانيَه الرفيعةَ الحرفية العسكريةَ، ويمتثلونَ قيمَ وخُلُقَ الجنديةِ؛ لتمتدَّ أياديهم البيضاءُ إلى كلِّ مكوِّناتِ المجتمع المحليّ والدولي إعمالاً للنموذج الإنساني وتجذيرًا للنهجِ الأردني في مضمارِ خدمة الإنسانية.
 
وستبقى مشاهدُ الزيارةِ تُشكّلُ الجانبَ الأجملَ من ذاكرة  منتدى جبل العتمات الثقافي  والوفد الجرشيّ، وما انطبعَ في الصدور أكثرُ ألقًا وأعمقُ أثرًا مما ترجمته مفرداتُ هذه السطور