اللحظة الأردنية الصعبة


لا صوت يعلو في الاردن على صوت الازمة الدائرة في احضان مجلس التعاون الخليجي، الذي يعتبره الاردن عمقه الحيوي، بوصفه آخر الاقليم النفطي واول المخزون البشري، فالكل يترقب مآلات الازمة بعد الرد القطري الذي وصفته مجموعة الاربعة بالسلبي، فالجغرافيا حالة ضغط طبيعية وسياسية وتنعكس على تعاطي الاردنيين على اختلاف تلاوينهم ومشاربهم السياسية في المواقف، اضافة الى حالة ترقب تعيشها النخبة السياسية وطبقة الحكم، فالخلاف يقع بين حليف استراتيجي وشركائه في مجلس التعاون وبين دولة لا تعيش علاقاتها مع الاردن حالة ود وتقارب ولكنها اقرب الى الرأي السياسي والموقف من قضايا الاقليم باستثناء الموقف من القضية السورية، الذي يشهد تباينا نسبيا، فالاردن اليوم على حافة السيف القومي، فالسعودية ورغم التباين النسبي في المواقف الا انها تبقى الاكثر التزاما بدعم الاردن واحتضان ابنائه في سوق عملها، تليها الامارات العربية المتحدة التي لا تعيش علاقاتنا معها حالة التباس مواقفي لكنها الدولة الثانية في احتضان الاردنيين في سوق العمل .

تداخل المصلحي الشعبي مع التقدير الاستراتيجي يدفع الاردن الى التفكير عميقا في انحيازاته التي يتوقع ان يطالها الضغط بعد دخول مصر الى خانة الانحياز الخليجي، مضيّعة فرصة لاستعادة ريادتها القومية حتى مع التباين والصراع مع دولة قطر، فالازمة الخليجية تعيش في بيئات متنوعة ومتعددة من الرافض لوجود خلاف داخل هذه المجموعة العربية المليئة اقتصاديا حتى التخمة، وبين شامت في وصول الخلاف الى هذا المستوى الخطير من التصعيد حتى بلوغ احتمالات الاجتياح لدولة قطر الصغيرة او انتاج انقلاب سريع يعيد التوازن الى هذه الامارة التائهة بين غازها المتطاير ورذاذ اعلامها الخارق لكل السقوف العربية، وهي تدفع ثمن الحجوم المختلة بين التأثير الفضائي والواقع الجيوسياسي الذي كان سلاح خصومها الجدد لاعادة الامارة الى وزنها الجغرافي الحقيقي وليس حجمها المرسوم على رذاذ الفضاء الاعلامي .

اليوم يترقب الجميع الخطوة التالية في اجتماع المنامة ومخرجات قمة العشرين وموقف الادارة الامريكية والشركاء في اوروبا الذين يميلون الى التهدئة والديبلوماسية، لكن الغياب السعودي الثقيل عن قمة العشرين يؤشر الى استمرار السعودية في نهجها الجديد، فالمألوف السعودي يتحطم يوميا بفعل خطوات متسارعة بعد عقود من المحافظة والانتظار، فالحل السعودي في اليمن تسارع بخطوات عسكرية وهذا يمنح الازمة مع قطر استقلابا سياسيا غير متوقع، وكل المصادر تؤكد ان وساطة امير الكويت ربما خففت من تسارع الازمة لكن لم تصل الى تجميدها ولو مؤقتا بعد ان دخلت اقطار متعددة على خط الازمة في محاولة لاستثمار الخلاف اقتصاديا وربما يصل الى مرحلة الابتزاز السياسي لدول الخليج الثرية بعد أنْ أسال المال السعودي السخي للرئيس ترامب وزيارته الاخيرة لعاب دول كثيرة تنتظر ان يطالها الكرم الاستثماري الخليجي مقابل مواقف يتم تسليفها لهذا الطرف او ذاك، وهناك من يراهن على حجم الأدلة التي يمكن ان يقدمها خادم الحرمين الشريفين بحيث ينقلب الموقف الكويتي لصالح الرأي السعودي وبالتالي يزداد الحرج الاردني ويضطر الى الانحياز المكروه اردنيا في الازمة الدائرة، فالاردن يرأس القمة العربية اولا وهو يسعى الى النأي بنفسه عن الخلاف الخليجي الحساس والالتفات الى ما يحدث غربي النهر من تسارعات مريبة ومقلقة .

الاردن حتى اللحظة يمسك بتلابيب الامل بحل سريع يطفئ النار المشتعلة في بلدان الغاز والنفط، فالاردن كادت علاقاته مع قطر ان تخرج من عنق الزجاجة، واعاد الاعتبار لعلاقاته مع السعودية بعد جليد قمة الرياض بالعمرة الملكية، وعلاقاته مع البحرين اجتازت حاجز ملاعب الفيفا مع ثبات وقور في العلاقة مع الكويت التي يحتفظ الاردن بأدفأ علاقة معها على المستويين السياسي والاقتصادي والامارات تسير الامور معها بتوازن مفهوم لطرفي العلاقة، وجاءت الازمة لتضرب كل هذا الثبات الاردني في لحظة اردنية مليئة بالتفاصيل القهرية غرب النهر وصولا الى دمشق وبغداد، ويسير السياسي الاردني على حبل مشدود تفوق قدرة السياسي بل تفوق مهارة لاعب السيرك المحترف، وازداد الضغط بدخول مصر كطرف اساس على خط الازمة مما يربك الحالة الاردنية التي تشهد مطالبات ضدية للانحياز، فثمة رأي يجد الانحياز الى قطر ضرورة وهناك من يجدها فرصة للانتقام من دولة قطر على ادارتها الظهر للاردن وعدم التزامها بالمنحة الخليجية ناهيك عن كثير من التحرشات السياسية والاعلامية .