الرئيس الملاكم والإعلام المشاكس

-نتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين، فيديو يظهر الرئيس دونالد ترامب في حلبة مصارعة ينهال لكماً على شخص يفترض أن يكون صحافياً في قناة «سي أن أن» ويصرعه أرضاً. والمثير في الأمر أن الشريط مصدره ترامب نفسه في إحدى تغريداته المعهودة على «تويتر».

 

 

ولعل مشهد ترامب وهو يلكم بقوة الخصم المفترض الذي بُدل رأسه بشعار «سي أن أن»، كان يفترض أن يثير فكاهة في مفهوم معدّيه، لكنه قوبل بتزمت من المثقفين والعاملين في قطاع الإعلام الذين اعتبروه «تصرفاً غير مسؤول يرسي مفاهيم خطرة».

 

 

وعبرت «سي أن أن» عن ذلك الرأي في بيان أوردت فيه «إنه يوم حزين عندما يشجع رئيس الولايات المتحدة العنف ضد الصحافيين»، مشيرة إلى أنه «عوضاً عن التركيز على رحلته إلى الخارج واجتماعه الأول مع فلاديمير بوتين والتعامل مع كوريا الشمالية وإعداد قانون الرعاية الصحية الخاص به، فإنه (ترامب) ينخرط في سلوك صبياني ينحدر إلى أقل من مستوى كرامة منصبه». وختمت القناة بيانها بالقول: «سنستمر بممارسة عملنا ويتوجب عليه أن يبدأ بممارسة عمله».

 

 

ببيانها هذا أرادت «سي أن أن» الإيحاء بأنها قبلت التحدي وأن الواقع أبعد ما يكون عما أراد ترامب تصويره بأن معركته محسومة مع «إعلام مشاكس»، ذلك أن هذا الإعلام الذي يقوده ثلاثي «سي أن أن» - «واشنطن بوست» - «نيويورك تايمز»، مسؤول عن تراجع كبير أخيراً في شعبية ترامب انعكس تدنياً قياسياً في نسبة تأييد رئيس لم يكمل سنته الأولى بعد.

 

 

والواقع أن ترامب الصعب المراس، لم يحقق بعد أي إنجاز يذكر في الكونغرس حيث لم يتمكن من تمرير أي تشريع ذي أهمية، وهو أمر يشكل سابقة بالنسبة إلى رئيس منتخب حديثاً. وفي مقابل انسداد الأفق داخلياً، فإن الأنظار باتت تتجه إلى ما سيحققه الرئيس الأميركي في قمة العشرين في هامبورغ هذا الأسبوع، خصوصاً في لقائه المنتظر مع نظيره الروسي، وهو بالنسبة إلى ترامب لقاء مصيري لا مبالغة في القول إنه يشكل منعطفاً، إما يحظى خلاله الرئيس بفرصة إعادة صياغة العلاقات الثنائية مع موسكو ومعها شكل التحالفات العالمية لسنوات مقبلة، أو تضيع الفرصة وتسلك رئاسته منحدراً لا تسعفها فيه إخفاقاتها داخلياً.

 

 

وغني عن القول إن رئاسة تمر في ظروف كهذه، هي أحوج ما تكون إلى وسائل إعلام مرموقة تساندها، لا أن تجتمع ضدها. لكن مصادر الرئاسة لا تبدو مدركة لهذا الأمر، إذ تتبجح بأن المانحين المحافظين يهبون لمساندة الرئيس كلما دخل في مناكفة مع الإعلام، حتى أن مناسبة لجمع التبرعات تزامنت مع هجوم ترامب على «سي أن أن» انتهت بجمع عشرة ملايين دولار لمصلحة الحزب الجمهوري.

 

 

وعلى رغم نزعة مصادر الرئاسة إلى تجاهل الحملات المناهضة باعتبارها عابرة، فإن مما لا شك فيه أن وسائل الإعلام العالمية ستكون في هامبورغ بعدساتها وأضوائها في انتظار ذلك اللقاء المفترض مع بوتين والذي ستخضع نتائجه لتدقيق وتمحيص شديدين بحثاً عن ثغرات محتملة يمكن استغلالها، أو بالأحرى لمعرفة ما إذا كان الرئيس الواثق من إطاحة «سي أن أن» عندما تكون خصمه المفترض في الملاكمة، سيتمكن من التغلب على ندّ صعب كالرئيس الروسي.

 

 

وبهذا المعنى سيخرج من هذا اللقاء طرف خالي الوفاض، إما يكون ترامب، أو الإعلام الذي بنى مجده على تاريخ طويل في انتشال الرؤساء وإغراقهم كما في «ووترغيت» و «مونيكا غيت» ومنذ أندرو جونسون (1865) إلى يومنا هذا.