لا مفرّ من حديث السياسة

تنتصر الثورات بشعوبها ، لا تنتصر الثورات بالتمويل الخارجي مهما كان حجمه، ومهما كان الاسناد الدبلوماسي والإعلامي والتسليحي. ومعلوم ان قادة الثورات المنتصرة، لا يطبقون الشعارات التي رفعوها والتي لاقت قبولا جماهيريا !!.

فلنأخذ امثلة على ذلك، بعيدا عن ثورات العرب التي رفعت شعارات تحرير فلسطين والوحدة العربية والاشتراكية والحرية. فقد ثار فيديل كاسترو، الزعيم الكوبي الجذاب، على الطاغية باتيستا، الذي كان (يسجن) الأحرار والمناضلين الكوبيين، وانتصر عليه، فسلّط الثائرُ الأسطوري كاسترو «محاكمَ الثورة الميدانية» واصبح (يُعدم) معارضي دكتاتوريتة، بحجة العداء للشعب والعمالة للإمبريالية.

فيديل الذي أعلن أنه سيحرر العالم، لم يتمكن بعد 55 سنة من إطالة لحيته، وخطابات النضال ضد الامبريالية، من إزالة عار معتقل غوانتانامو من جزيرة كوبا.

لقد تمكن فيديل وشقيقه راؤول، رئيس كوبا الحالي، الذي حل محله بالتوريث، من سجن كل الشعب الكوبي، في معتقل هو كوبا. لا يوجد كوبي معه جواز سفر ويتمكن من حرية التنقل.

وهاهم الوحوش المتقاتلون في سوريا، قد اصبحوا - كما يحدث في كل ثورة وفي كل مكان- يتماثلون في الفعل ورد الفعل، في السمات والصفات، في الفساد والاستبداد.

معلوم ان الفصائل لا تهزم الأنظمة، الفصائل تستدرج الانظمة، تبهدلها، تفضحها، تجرّحها. تحرجها، لكنها لا تسقطها. الجبهة الوطنية المتحدة هي من لها فرصة هزيمة الأنظمة، ينطبق هذا في فلسطين المحتلة، في الصراع مع العدو الصهيوني.

رايات كثيرة ترفعها الفصائل السورية المسلحة تزيد عن 800 راية، لكنها لا ترفع راية الثورة الموحدة، وتعتمد هذه الفصائل عقائد دينية وسياسية وعسكرية مختلفة ومتطاحنة، مقابل نظام متماسك بقيادة واحدة وبراية واحدة وبعقيدة عسكرية وسياسية واقتصادية ودبلوماسية واحدة.

وقد كرر الاخوان المسلمون السوريون، الخطيئة المدمرة التي نقدوها وادانوها، حين رضخوا لقرار الممولين العرب الغبي الاجرامي، والى ضغوط الجناح المتشدد عندهم، بعسكرة الثورة السورية.

كان الاخوان المسلمون السوريون عسكروا تمرد 1980-1982 ضد الأسد، فأبادهم، وأوقع فيهم، في حماة وحلب وجسر الشغور، 10000 قتيل، وما لبثوا ان نقدوا التحول من النضال السلمي الى العمل العسكري المسلح، مؤكدين اعتماد أساليب النضال السياسي لتحقيق الديمقراطية والكرامة الإنسانية.

بعد اختبار استقرار «اتفاق خفض التصعيد»، على النظام المتقدم استراتيجيا، وعلى الرعاة الثلاثة (روسيا تركيا ايران)، مسؤولية الاستعداد لطرح مبادرة مصالحة وطنية جدية، تتضمن حلولا عادلة، لا يمكن ان يرفضها مناهضوه، لاختزال امد الصراع ولرفع العذاب عن الشعب السوري المنكوب.

ان فرصة نجاح مبادرة المصالحة في الإقليم، ستكون واقعية على خلفية ان شركات إعادة الاعمار المدنية العالمية، تضغط من اجل اكتفاء شركات السلاح العالمية بما باعته وغنمته من مليارات الدولارات والريالات، وهاهي تجند تحالفاتها الإعلامية والمصرفية والبرلمانية والسياسية، للحصول على حصتها المتمثلة في إعادة اعمار الإقليم التي ستكلف نحو 500 مليار دولار.

وبالتاكيد، سيجلس مجلس إدارة الحرب (روسيا ايران تركيا اميركا بريطانيا) على طاولة الحل السياسي، الذي سيكون مترافقا مع الحل الاقتصادي وتوزيع الغنائم، وسيقف الممولون العرب، بعيدا او شهودا، لا يأخذهم احد في الاعتبار. فقد كان استثمارهم في الحرب السورية أكبر الاستثمارات الخاسرة في التاريخ.

ويقينا انه لولا بزوغ داعش، الذي يندحر اليوم شر اندحار وانحدار، ولولا عسكرة الثورة السورية، ولولا تدفق التمويل العربي الغر بغزارة، ولولا الدعم الذي قدمته تركيا لعبور الإرهابيين والتبادل التجاري معهم، ولولا تماسك النظام السوري، لصار ممكنا تحقيق هدف سقوطه، ولما وقع تدمير سوريا وتشريد شعبها الحبيب العظيم بهذه الوحشية.