العدوان والضربة القاضية




لم تستطع حكومة البخيت اقتناص اللحظة التاريخية المواتية, ولم تتمكن من التقاط الفرصة التي سنحت على اثر حل حكومة الرفاعي, من اجل الشروع في تغيير وجهة المركب (180) درجة, والانقلاب على كل الماضي ورفع الاشرعة وإعلان حالة الطوارئ القصوى والانطلاق نحو الاصلاح بأسرع قوة ممكنة, بالاستعانة بكل قوى الشعب الاصلاحية المؤمنة بضرورة التغيير والاصلاح, ولكن وبكل أسف لم يستطع البخيت امتطاء الجواد الذي انطلق محمحما, ضارباً بحوافره الارض, وأطلق صهيلاً عالياً وهو يمر مسرعا من جانبه وقريباً جداً إلى درجة المساس, ولكنه كان مذهولا وهو يحاول إشعال سيجارته, وقد ولّى الجواد إلى غير رجعة.

ولدت حكومة البخيت في لحظة استراتيجية رائعة, لحظة بزوغ فجر الربيع العربي, وكان يمكن للأردن أن تكون في دول المقدمة التي تحتل مكانتها في قطار الاصلاح العربي, وبقدر التحديات وعظمتها تكون الفرص لمن يحسن التقاط الفرص, ولكن الحكومة اكتفت بتلقي الضربات ومحاولة الصدّ بضعف شديد, فكانت الضربة الاولى يوم (25/آذار/2011) على دوار الداخلية, التي كشفت ضعف الحكومة وعجزها وعدم قدرتها على حمل هذه الرسالة العظيمة, ثم جاءت الضربة الثانية من قضية تهريب خالد شاهين, التي جعلت الدم ينزف من أنف الحكومة ولم يستطع أطباء القطاع الخاص ولا القطاع العام وقف هذا النزيف المزعج حتى هذه اللحظة.

حاولت الحكومة تحسين صورتها عن طريق مبادرتها الذاتية في التحقيق في قضية (الكازينو) التي كانت نقطة سوداء مؤرقة في تاريخ البخيت في عهد حكومته الاولى, ولكن قضية (الكازينو) أصبحت مثل الطفل الذي شنق نفسه بلعبته.

أربعة شهور مرت متباطئة كسولة تتثاءب, لا يسمع الناس الا هدير الطواحين التي تطحن الماء والهواء, ولم يتقدم الشعب شبرا واحدا باتجاه الاصلاح, بإجماع المراقبين.

أما استقالة وزير الاعلام "طاهر العدوان" فإنها على ما يبدو سوف تكون الضربة القاضية الموجهة للحكومة المترنحة, إذ أن هذه الاستقالة جعلت الحكومة تخسر وجهها ولسانها, وكامل زينتها, ليس هذا فحسب بل كشفت الاستقالة عن توجهات خطيرة للحكومة من خلال إصرارها على تقديم مشاريع قوانين تقيد حريات المواطنين وتزيد من مرارة الكبت والضيق في الوقت الذي ترفع فيه الحكومة راية الاصلاح.

كما أن الاستقالة كشفت عن أمر خطير في منهجية اتخاذ القرار وفي منهجية إدارة الدولة, فما يتم الاتفاق عليه في مجلس الوزراء لا ينفذ ويتم تغييره, وهنا الكارثة, بمعنى أن هناك قوى خفية تمسك بالقرار التنفيذي الحقيقي, وهي غير مرئية ولكنها متنفذة, وهذا هو بالضبط جذر الفساد الحقيقي, الذي يمثل جوهر المشكلة التي ينبغي أن يبدأ الاصلاح منها.

هذه القوة الخفية التي تستطيع تغيير قرار مجلس الوزراء هي التي تستطيع تهريب (خالد شاهين) وهي التي تستطيع السطو على مقدرات الدولة, وهي التي تقف خلف كل الملفات المشبوهة التي لم تستطع الحكومة الوصول إليها لتعديلها ولم تستطع معالجتها, وهي أيضا سوف تكون عصية على وصول يد مكافحة الفساد إليها بكل تأكيد.

والشيء الاشد خطورة على الاصلاح, أن الاستقالة كشفت النوايا الحقيقية للعبة الاصلاح, وأماطت اللثام عن الوجه الحقيقي للمرحلة كلها برمتها, وهنا ينبغي للمواطن وجميع قوى الاصلاح أن تقف على الحقيقة المجردة, ومن ثم لا بد من المصارحة والمكاشفة الجريئة لكل مجريات العملية الاصلاحية البائسة التي تشرف على إدارتها مؤسسة الفساد بذاتها.