صدمة الافراج .. وتطوير مراكز الاصلاح !



كشفت الدراسة العلمية الميدانية القيمة تحت عنوان "صدمة الافراج للسجناء وادماجهم في المجتمع" التي قام بها الباحثان عبدالله الناصر وحسين الرواشدة وتزامن اعلانها مع اصدار قانون العفو العام مؤخرا, عن ثغرات كثيرة ما زالت تشوب بعض التشريعات الاردنية ونظم ادارة مراكز الاصلاح والتأهيل, بما يؤدي الى عودة حوالي 48% من السجناء المفرج عنهم الى خلف القضبان مرة اخرى, اما عن طريق ارتكاب جرائم او جنح جديدة مع سبق الاصرار والترصد, او حتى اختلاق ظروف ملائمة للتمتع بنعم السجن الذي افتقدوه بعد خروجهم منه لان ابواب الحياة الطبيعية مسدودة امامهم تماما ! .

سبق وان شاركت في حلقة نقاشية حول النتائج التي خلصت اليها هذه الدراسة المهمة التي تقع في 348 صفحة من القطع المتوسط, بعد ان كنت قد تناولت بعض ما جاء فيها قبيل تنفيذ قانون العفو العام, وكان الحوار فيها على سوية عالية من الابعاد الموضوعية التي تطالب باعادة النظر في اسهام القوانين والاجراءات والمجتمع ذاته في عقاب جديد يفرضونه على السجين بعد الافراج عنه سواء بالعفو او بانتهاء مدة العقوبة, الى درجة حدوث تزاحم شديد على دخول مراكز الاصلاح والتأهيل للعائدين لمرة ثانية او ثالثة او اكثر في موسم الشتاء, لانهم لا يجدون اي سقف يأويهم او لا يحصلون على اي طعام اذا لم يرتكبوا جرما يكفل عودتهم الى رحاب السجون ! .

لا يتوقف الامر في هذا الشأن عند شهادة عدم المحكومية التي لا بد منها للالتحاق باي عمل مهما كان نوعه ولا يستطيع المفرج عنهم الحصول عليها اطلاقا, بل بالاحكام المتعلقة برد الاعتبار ضمن قانون اصول المحاكمات الجزائية الذي يشترط مضي مدة ست سنوات على احكام ارتكاب الجرائم وثلاث سنوات على الجنح من اجل الانسجام مع متطلبات اندماج السجناء في المجتمع بشكل ايجابي, وكذلك ما ينص عليه قانون منع الجرائم الذي يخضع بعض من تم الافراج عنهم الى "الاقامة الجبرية" التي يمكن اعتبارها بمثابة عقوبة اضافية ما بعد السجن, تحول دون ممارسة الحياة الطبيعية وتدفع معظم هؤلاء الى تكرار افعالهم ما دامت حياتهم مقيدة ضمن حدود تشابه القضبان ! .

يبدو ان ردود الفعل ما زالت متواصلة على معاناة السجناء بعد الافراج عنهم, حيث بينت ان قسما لا بأس به من المشمولين بالعفو وبينهم النساء على وجه الخصوص يفضلون البقاء في السجن على الخروج منه, هروبا من قسوة ما يواجهونه من الاسرة والاهل عموما ومن المجتمع الذي يناصبهم العداء بنظراته المريبة نحوهم, حتى لو كانت محكوميتهم بسيطة ولها ظروفها الخاصة التي يمكن ان يتعرض لها اي انسان, من خلال ان الخطأ هو طبع مستحكم في بنية البشر وان من حق الذي اقدم عليه وقضى العقوبة القانونية المتعلقة به العودة الى ممارسة حياته الاعتيادية, ولا بد من توفير الرعاية اللاحقة له لمساعدته على التكيف مع حياته الجدية كي يعود الى طريق الانحراف والجريمة مرة اخرى, ويشمل ذلك الوقوف على اوضاعه الصحية والمادية والاسرية ومساعدته على توفير فرصة عمل تؤمن له العيش الكريم ! .

من هذا المنطلق.. نتابع باهتمام ما اعلنت عنه مديرية الامن العام عن ترتيبات لعقد مؤتمر وطني تشاركي لرسم استراتيجية جديدة لمراكز الاصلاح والتأهيل, تقوم على استخدام العقوبات البديلة عن الاحتجاز عن طريق العمل الاجتماعي, وتدارس ايجاد مؤسسة وطنية تعنى بالرعاية اللاحقة لخريجي مثل هذه المراكز تستهدف الاخذ بيدهم لتسهيل عملية اندماجهم في المجتمع, وهذه خطوة في غاية الاهمية اذا ما تكاملت مع تنفيذ توصيات دراسة صدمة الافراج بضرورة نقل ملف ادارة السجون والاشراف عليه من وزارة الداخلية الى وزارة العدل, وذلك لفض التضارب في الادوار والمهمات التي تترتب على اجهزة الامن من الضبط والتحقيق بما يحقق نقلة نوعية في التعامل مع السجناء في قادم الايام ! .