خليها مستورة يا ميستورا !!

على غير عادته حمل العيد بقاياه ورحل حزينا مكسور الخاطر احتجاجا على غياب الأطفال عن المشهد بملابسهم الزاهية الجديدة ، بعدما اغتالت الحروب الشريرة براءتهم وفرحهم. العيد لم يزر في قدومه الأخير العديد من المدن والأرياف والبوادي العربية ، ولم يطّل على العالقين بين نارين ، في الأحياء المهدمة داخل بقايا البنايات المتداعية بلا ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا دواء في أجواء ملتهبة داخل مواقعهم وخارجها.

في هذه الأجواء المحزنة المضحكة حتى البكاء ، نتحدث عن لحظة انعطاف تاريخي توجتها شراسة العداء العربي – العربي ، هو العداء الذي انهى الصراع العربي الأسرائيلي دون اعلان رسمي ، ولكن المشهد واضح لدرجة جعلت التاريخ يسخر من هذه اللحظة التاريخية التي يتعرض فيها الوعي العربي لابتزاز بشع غير مسبوق !!

وفي ايام العيد بشّر رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي جمهوره أنه بدأ يكتب خطاب النصر ليعلنه بعد أيام قليلة ، أي بعد هزيمة تنظيم داعش المحتومة وتحرير ( ام الربيعين ) ، ولكن بعد خراب الموصل المدينة المنكوبة التي سقطت ضحية همجية الدواعش وفوضوية الحشد الشعبي الذي استباحها ، فكانت خسارتها البشرية والحضارية والتاريخية اكبر من أي انتصار.

وفي آخر ايام العيد وجه الوسيط الدولي دي ميستورا ، عبر كلمته من نيويورك ، الدعوة لآستئناف المفاوضات بين فصائل المعارضة المسلحة والدولة السورية من اجل التهدئة أولا ، على أمل التوصل الى حل سياسي للأزمة السورية ، ويبدو مستورا متفائلا في دعوته كأنه يعيش في واقع آخر ، أو انه لم يسمع التصريحات الأميركية التي انطلقت من واشنطن والتي تحمل التهديد الواضح عن عزم الولايات المتحدة توجيه ضربة لدمشق ، لأنها رصدت تحركات في قاعدة الشعيرات قد تمهد لاستخدام الاسلحة الكيماوية ضد المعارضة ، فيبدو أن واشنطن تشن حروبها على قاعدة النوايا !!

والثابت أيضا ، أن الوسيط الدولي لم يسمع تصريحات وزير الدفاع البريطاني الذي تعجّل في أعلان تاييده ودعمه لأي ضربة توجهها واشنطن لسوريا ، وهو الموقف الذي يعبّر عن النفاق البريطاني الواضح المعتاد الذي يثبت أن بريطانيا ما زالت تتقن لعب دور التابع للولايات المتحدة في كل الفصول.

في هذه الأجواء المتوترة ، وفي آخر أيام العيد الذي عاد ورحل ونحن في أسوا حال ، يتحدث دي ميستورا عن حلقة جديدة من المفاوضات العبثية في استانا وجنيف ، وهو يدري أن النشاط الأميركي المكثف في المنطقة لا يسعى الى تحقيق ما اصطلح على تسميته الحل السياسي في سوريا ، أو تحقيق السلام العادل على المسار الفلسطيني الاسرائيلي ، لأن الأدارة ألأميركية معنية ، في البداية والنهاية ، تفتيت الدول العربية الى كيانات طائفية وعرقية ، وانهاء الصراع العربي الاسرائيلي حسب الشروط الاسرائيلية ، وتحويل الكيانات العربية الجديدة المفترضة الى قوة احتياط تشارك اسرائيل مهمة الحفاظ على امنها ، وانقاذها من مأزقها الوجودي.

الحقيقة أنني لا أسخر من الحاضر العربي ، بل أقرأ في التفاصيل الشيطانية داخل المشهد العربي الراهن ، وفي صعوبة قصوى معقدة احاول فهم أسباب واهداف العداء العربي – العربي الأشرس في التاريخ المعاصر ، الذي تحول الى سياسات رسمية معلنة ، ادخلتنا في حالة من المتاهة والنكران الأعمى ، ندور في دوامة من التحالفات المتقلبة المتسارعة نحو الهاوية.

كل هذه التطورات حدثت قبل العيد ، وفي ايام العيد ، وستحدث بعد العيد ، لأنه ما زال في الأجندة العربية ما هو أسوأ ، وما زال في الجعبة العربية الكثير من الخناجر ، لذلك نقول للوسيط الدولي الذي يدور في حلقة مفرغة: خليها مستورة يا ميستورا !!