بماذا يتحدث الناس؟

بماذا يتحدث الناس في إجازة العيد وما هي اولوياتهم؛ ثمة قائمة طويلة من الموضوعات التي تشكل المزاج العام للأردنيين هذه الايام، وتحتل مساحة واسعة من النقاشات الجادة والعابرة على حد سواء، بدءا من ازمة الخليج الجديدة، والموقف الأردني منها، مرورا بالضغوط الاقتصادية المزمنة والمديونية وكيف تعيشها الاسرة الاردنية، وفاتورة رمضان والعيد، وعن شهر قادم من الضغوطات، وحوادث السير ونظام النقل وطرق المواصلات، وطبعا لن يغفل الناس قصص الفساد وتحديدا سلوك النخب السياسية حيال الوظيفة العامة. سيتحدث الناس عن موجة الحر القادمة وعن أزمة التعليم، وسيشكك البعض في جدوى الاصلاح. في المقابل لن يتحدث الناس عن الانتخابات البلدية التي ستجرى بعد اسابيع قليلة ولا عن انتخابات اللامركزية التي سوف تجرى للمرة الأولى، ولا عن اداء النواب ومجلسهم، حيث يبدو ان مفهوم الشأن العام بات مشوها او مختلفا، فيما تضرب ازمة الثقة بالمؤسسات التمثيلية عميقا في وعي الناس ووجدانهم.
بقيت أولويات الأردنيين منذ عدة سنوات لم تتغير، ما يفيد ان الحياة لم تتغير كثيراً، وهو الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر في نبض الناس اليومي وشؤون حياتهم وتفاصيلها الصغيرة، كما تؤكده استطلاعات الرأي المتكررة، وتدور تلك الأولويات حول مشكلتي الفقر والبطالـة، ومواجهـة الفساد المالي والإداري، ثم الطموح بإجراء إصلاحات سياسيـة. وفيما يتقدم الحراك السياسي المحلي مرة ويتراجع مرات أخرى لم يلمس الناس تغيرات حقيقية تصل إلى تفاصيل العمق المجتمعي رغم كل ما يقال ويتردد حول الإنجازات التنموية، فالحلقـة الضائعة في أدبيات الحكومات الأردنية المتعاقبـة تتكرر في ضعف القراءة الاجتماعيـة للتحولات الاقتصاديـة وما تنطوي عليـه من أرقام قد تبدو في الكثير من الأحايين خادعـة، والمشكلـة الحقيقيـة تتأكد حينما تتحول إنجازات الإصلاح الاقتصادي والإداري وغيرهما إلى رنين مزعج يزيد من غربـة القواعد الاجتماعيـة ويضاعف من متاعبها.
في احاديث الناس، والمقصود القواعد الاجتماعية، جرح يضرب عميقا في الثقة العامة، فرغم ان السنوات الاربع الاخيرة على اقل تقدير شهدت جهودا وطنية مهمة في تطوير منظومة النزاهة ولم تشهد تسجيل قضايا فساد كبيرة الا ان الفساد الانطباعي ما يزال مهيمنا في هواجس الناس. لم تستطع المؤسسة العامة ترشيد وعقلنة المساءلة المجتمعية وتنظيمها، فالناس يتذمرون من الفساد على الفارغ والمملوء، ولا يعملون اي شيء ذي جدوى في هذا الشأن، اي ان ثقافة المساءلة المجتمعية تجدف عكس ما يخدم بناء قاعدة صلبة للمساءلة والنزاهة، ومع هذا يبقى الناس ينتظرون حدثا ما، ما يعني ان الايمان بالانجازات الكبيرة ما يزال يداعب الخيال.
ما الذي يحتاجه الناس في بلادنا هذه الايام اكثر من إعادة بناء الأمل في مواجهة مشاعر الاحباط واللاجدوى واليأس من التغيير، فقد مرت سنة صعبة وقاسية على مختلف الصعد، وقبلها ايضا سنوات صعبة تصاعدت فيها الأزمات وطحنت الظروف الاقتصادية الصعبة الناس وخلقت التحولات السياسية والاجتماعية المتلاحقة حالة من اللامبالاة والتطبيع مع الفشل والجرائم والرداءة. والاخطر الخوف من المستقبل، الخوف من القادم والمصير.
الأمل قوة كبرى تحتاجها المجتمعات والدول في مواجهة التحديات وفي اللحظات الصعبة، والامل قوة كبرى لخلق التطلعات واعادة بناء قدرة الافراد والجماعات على التفكير بالاهداف الكبرى والعيش من اجلها. إنه طاقة ومورد لا يضاهى يمكّن الناس تجاوز ظروفهم والتقدم الى الامام. علينا ان نتذكر تجارب شعوب اوروبا الخارجة من كوارث الحرب العالمية الثانية؛ كيف بنت بالامل شعوبا محطمة ومكلومة معجزات في الانجاز، الناس في بلادنا بأمسّ الحاجة الى استعادة الامل من اجل ان يعبروا هذه المرحلة.