عبد الرؤوف الروابدة: ديناميكي ''يشلح'' ثوب الحرس القديم .
خالد أبو الخير-لم تنل السنون من بديهيته وحضور نكتته، وإن كان مصراً على القول: "أنا لا أنكت.. لكن الحقيقة التي أرويها، تبدو كالطرائف".
رئيس الوزراء الأسبق، اللقب الذي التصق بعبد الرؤوف الروابدة، منذ خروجه من المنصب الأخير في الحكومة، يبدو ضيقاً.. على الرجل الذي ما فتئ يعد في عرف كثيرين أكبر من المنصب، وإن همس حاضرون لمحاضرته التي نظمها مركز حماية الصحفيين: «الولاية العامة للحكومة بين النظرية والممارسة وحكومات الظل»، بأنه ما يزال يتطلع إلى ذات الكرسي على الدوار الرابع.
"الجحيم هو الآخرون" عبارة قالها سارتر، لعل أبا عصام يجردها، في وجه كل هامس أو مجاهر بتطلعه ذاك، رغم مشروعيته.
يقر الروابدة بوجود تدخلات من جهات في ممارسة رئيس الوزراء سلطته، لكنه ينبه إلى أن هذه التدخلات تقوى أو تخفت، بحسب شخصية رئيس الوزراء: "إما يرفض الرئيس هذا التدخل، ويكون قد حاله بأن يقدم استقالته، أو يغض الطرف عنها، لتطويل مدته".
يقسم الروابدة أنه المسؤول الأول عن قرار ترحيل قادة حماس، ولم يتلق أوامر من الملك بهذا الصدد، رغم أنه يُثْني الآن على الحركة: "حماس حركة شريفة وحركة مقاومة على أرض فلسطين ونرفع لها العقال احتراماً وتقديراً".
ويضيف: "رئيس الوزراء الذي يفهم دوره وصلاحياته، لا سلطة عليه إلا سلطته هو"، و"أنا لست من الرجال الذين يقولون: لقد جاءتني أوامر من فوق".
ويرى أن الفريق الوزاري في الحكومات لا يكون عمله تضامنيا ومتجانسا بسبب العوامل التي تدخل على خط تشكيلها، قائلاً: "تشكيل الحكومات لا يتم على أسس حزبية أو برامجية، فأنت تختار من وصل إلى مواقع متقدمة في عملهم، أو تختار الوزراء على أسس استرضاء أصحاب الصوت العالي أو استرضاء مراكز القوى، لذلك اختفت الصفة التضامنية، فيرتبط كل شخص بالجهة التي سمَّته، ويصبح كامل الولاء لها، وهذا ما يصبح في الدول الفقيرة".
يقرر الرئيس الذي عرفت عنه محافظته، بالحاجة إلى "الديجتاليين" لكنهم -بحسبه- لا يصلحون كساسة وصناع قرار.
يلخص ما حدث: "تراجع دور السياسيين فتقدم الاقتصاديون الصفوف، وعرضوا تحويل الدولة إلى شركةٍ، الجدوى منها هو تحقيق الربح، في حين أن الجدوى من الدولة تحقيق كرامة الإنسان".
الرؤية الأولى قادت إلى الانهيار الذي حدث، وأدت إلى تفكيك الدولة وبيع مؤسساتها، وضعف البرلمانات، وتحول الحكومات إلى متلقية للتعليمات، واستشراء الفساد، وقد عارض تلك الرؤية مطولا لدرجة أن وصم باصطلاح "الحرس القديم" الذي يرفضه.. أما الثانية، التي يقول إنه حاول تطبيقها في عهده، فقد وُوْجِهَتْ بمعارضة شديدة، بحسبه.
التهافت على تطبيق الرؤية إياها أدى إلى عجز المسؤول عن اتخاذ قرار: "أَكَلْنا رجالَنا، ولم يبق على الساحة من يقول لا".. تلك صرخة أطلقها أبو عصام، دون أن يدور في خلده أن القاعة التي أقيمت فيها محاضرته، أصغر من أن تحتمل هكذا صرخة.. بدت مدوية.
ينتقد سياسات قادها رؤساء حكومات بعينهم، منها الـ350 قانونا مؤقتاً، دون أن يعرج على الرؤساء بأسمائهم.
ولا يمانع الروابدة بفكرة إحضار رؤساء الوزارات وإجلاسهم على كراسي اعتراف، بل يضيف: "أنا مع سن قانون (من أين لك هذا؟) خاص برؤساء الوزارات".
ولا يجد غضاضة من أن يتكتم عما يمكن أن يفعله في المرحلة المقبلة، إذا أصبح رئيس وزراء، قائلا: "بدكم إياني أعلمهم شو راح أعمل إذا جئت، لا.. كل واحد يحمل حمله".
وحين يباغت بسؤال: "متى يأتي رئيس وزراء يستطيع أن يعبي مقعده؟.." يجيب بسرعة بديهيته المعهودة: "زغروا الكرسي"..! فتصير، ربما رغما عنه أو بإرادته، نكتة يتناقلها الركبان.
موقفه من الثورات العربية يحدده بأنها لم تأت تطبيقا للفوضى الأمريكية الخلاقة، لكنها ثورة شعب حشر كثيرا في طنجرة "البريستو".. فانفجر.
لم تنل السنون من أبي عصام، فما زال متجدداً وديناميكياً، لكنه يصر على أنه من قدم استقالته من رئاسة الحكومة ولم يُقل، بيد أن الرواية السائدة أن رندا حبيب بثت خبر استقالة حكومته، في وكالتها الفرنسية، ما اضطره إلى الاتصال بها مستفسراً. فهل قصده أنه أعقب تلك الحادثة بالاستقالة؟. ربما..