التقييم الحقيقي للحكومة!

طالما أنّنا نتحدّث عن معيار "تقييم الأداء"، وقرأنا أمس تقريراً مفصّلاً عن إنجازات الحكومة خلال الفترة الماضية من عملها، تمّ رفعه إلى الملك، فمن الضروري أن نتجاوز العمل "الأحادي" للوزارات إلى العمل الجماعي للحكومة، بخاصة أنّها متضامنة دستورياً وسياسياً.
على الصعيد الكلي، فإنّ تقرير البنك الدولي الأخير عن الوضع الاقتصادي لا يبعث على الارتياح، مع تراجع أرقام النمو الاقتصادي واستقرارها عند 2 %، مع ارتفاع معدلات البطالة إلى 18.2 %، وما يصل إلى 40 % لدى جيل الشباب (وهذه هي القنبلة الموقوتة).
التقرير الدولي أشار – للأمانة- إلى ثلاثة عوامل رئيسة تكبح آفاق النمو الاقتصادي، في مقدمتها الظروف الإقليمية التي تحدّ من السياحة الخارجية، وتداعيات الأزمة السورية خصوصا انقطاع طرق التجارة والنقل والاستيراد والتصدير البرية بصورة عامة، وانخفاض أسعار المعادن عالمياً، ما يؤثر على البوتاس الأردني بصورة كبيرة، وربما نضيف لاحقاً سبباً فرعياً آخر مرتبطاً بالأزمة الخليجية الراهنة.
ستدافع الحكومة عن نفسها – محقّة- بأنّ هذه الأسباب جميعاً خارج نطاق قدرتها، وهي مرتبطة بالمنطقة، فضلاً عن أنّ الظروف الإقليمية المضطربة تلقي بظلالها على أي مشروعات استثمارية مهمة ورئيسة.
مع ذلك، فإنّ التقرير الدولي، نفسه، أشار إلى جوانب مهمة رئيسة يمكن أن تشكّل أولويات حقيقية، وهي التي يمكن بالفعل أن تحدث "نقطة تحوّل" حقيقية في الوضع الراهن، وليس ما ذكرته الحكومة في تقريرها، مع عدم التقليل من أهميته، لكنّه يبقى عموماً قضايا مرتبطة بتفاصيل أو بإنجازات روتينية يمكن أن تقوم بها أي حكومة.
الأولوية الأولى، في نظري، تتمثل بإعادة هيكلة سوق العمل، وهو الأمر الذي لم تفلح أي حكومة إلى اليوم بتقديم خطة عمل نموذجية فيه، وتطبيقها على مراحل محدّدة، تشمل إصلاح قوانين العمل، إغلاق قطاعات بصورة نهائية، تأهيل العمالة الوطنية، وتقديم رسالة سياسية وإعلامية متكاملة حول هذه "المهمة الوطنية" الجليلة لتشغيل الشباب.
أستبق أي حجج خشبية واهية من قبل الحكومة والمسؤولين لأقول بأنّ "ثقافة العيب" تكسّرت خلال الفترة الماضية، وهنالك شريحة واسعة من الشباب لديهم الاستعداد للعمل في قطاعات عديدة، لكن المطلوب هو توفير بيئة عمل صحيّة وعادلة نسبياً، ما يستدعي عصفاً معمّقاً في أروقة الدولة والمجتمع الدولي حول التشريعات وآليات الرقابة.
الأولوية الثانية، هي العراق، فمن الضروري إصلاح العلاقات معه إلى أبعد مستوى، بما يفتح المجال ليعود الأردن منصّة نشطة للسوق العراقية، ويعزز الخطط المطلوبة. صحيح أنّ علاقاتنا مع الأشقاء شهدت تطوراً إيجابياً، خلال الفترة الماضية، لكن ما تزال هنالك مسافات طويلة مهمة ومهمات عديدة لتوطيدها مرّة أخرى، واستكشاف الفرص الحيوية الاقتصادية المتاحة، والشروط السياسية المرتبط بها، وإعادة النظر إليه بوصفه عمقاً استراتيجياً للأردن، بعد أن تراجع سقف التوقعات الأخرى!
الأولوية الثالثة وتتمثل بما نسميه "واجباتنا المنزلية"، وفي مقدمتها إصلاح الإدارة العامة، ومكافحة الفساد الإداري، وهو المشروع الذي بدأت به الحكومة، ثمّ نامت بعد ذلك. وإذا كان التحول إلى خدمات الكترونية في 11 دائرة حكومية خطوة مهمة، فمن المفترض أن نراقب تطبيقها وتطويرها مع بداية الشهر القادم.
من الواجبات المنزلية إعادة التفكير في السياحة الداخلية، وإجراء قفزة كبيرة فيها، فمن الممكن أن ترتفع بصورة كبيرة، بإقناع الأردنيين بجدواها، لكن ذلك مرتبط بعوامل أساسية غير متوافرة، ويمكن أن يتعزز ذلك بالسياحة العربية، بخاصة الخليجية.
هذه الإنجازت وواجبات ومهمات أخرى، هي التي نرغب بقراءتها في تقارير الحكومة، ومن الرئيس تحديداً، المسؤول عن الفريق الحكومي بأسره، من غير ذلك فإنّ الانطباع في الشارع لن يتغيّر، والشعور العام بأنّ الأوضاع لا تتحسن، وأنّنا عاجزون عن إحداث تقدم حقيقي نوعي، وحينها فإنّ تقييم الرئيس وفريقه الحكومي سيتجاوز التقارير الإنشائية التي نقرأها!