مسلسل الثانوية العامة من جديد ....
مسلسل الثانوية العامة من جديد ....
الكاتب : فيصل تايه
كم كنت أتمنى أن اكتب مقالتي هذه بعد انقضاء عام كامل على مقالتي المتعلقة بنفس الموضوع والتي تحدثت بها عن ذات المسلسل المتكرر بشخوصه وأحداثه ووقائعه والمستهدف لذات الضحايا من أبنائنا طلاب الثانوية العامة .. وها أنا أعيد نفس العبارات التي لم ولن أجد غيرها لتكرار الحديث عن الموضوع إياه .. ولكن يبدوا أن القائمين على ذلك لن يبتكروا سيناريو تراجيدي من نوع جديد لتضاف إلى عناصر الملحمة التراجيدية لان البطل التراجيدي تستهويه شهوة النجاح من أجل النجاح وبأي ثمن كان ..
ففي الوقت الذي تستمر فيه وزارة التربية والتعليم خوض الجولة الثانية من امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة للعام الدراسي 2011م .. تعيش كثير من الأسر الأردنية حالة طوارئ وجوٍ من التوتر.. لتوفر لأبنائها الجو المناسب ليشقوا .. طريق مستقبلهم في ديمومة الحياة المعاصرة ..ووفق منهجية تقليدية .. مفروضة عليهم بمنطق مستهلك .. دون مبرر موضوعي أو ذرائعي ودون الأخذ بالتحولات الاجتماعية ومنطق حسابات التفكير الأدائية أو الجوانب المهارية البلومية..أو حتى مهارات التفكير الناقد أو الإبداعي أو الاستدلالي والتي أصبحت بحكم التغيرات التربوية الحديثة مطلب يفرض نفسه .. في ظل متغيرات معلوماتية وتكنولوجية .. وبذلك أشبعنا طلبتنا أفكاراً مستهلكه ضمن نهج تربوي تقليدي مستنزف.. لأن السبيل إلى مستقبلهم الدراماتيكي المجهول هو تحصيلهم التراكمي في الثانوية العامة.. كل حسب مقدرته على الحفظ والتذكر ليصبح – أعانه الله- مسيراً إلى المجهول الذي يُفرض علية بمنطق التنافسية (العادلة) في الجامعات ..والتي توجه مصير شبابنا نحو مزيدا من البطالة الهيكلية المقنعة .. بعيداً عن تلبية حاجاتهم وطموحهم ورغباتهم.. فالعصف التساؤلي هو الذي يعيد الطريق نحو هذا المنطق المستشري .
إننا نتوقع كل عام أن تعيد وزارة التربية والتعليم حساباتها مع هذه الفوبيا المتكررة .. خاصة وان وزارتنا العتيدة أكدت باستمرار للجميع عبر مفرقعات إعلامية كبيرة أن لا سبيل إلا الارتقاء بالثانوية العامة إلا عبر مؤتمر وطني عام وشامل .. وجميعنا أدركنا أن الوزارة عازمة على المضي قدماً للإعداد لذلك المؤتمر .. بقصد الوصول إلى صيغ جديدة وتغيير قائم على أسس علمية ومداخل تقنية معروفة كالتخطيط الاستراتيجي أو الجودة الشاملة أو إعادة الهندسة أو إدارة المعرفة أو إدارة الإبداع أو الإدارة بالأهداف وما إلى ذلك.
فهل أن المؤسسة التربوية الأردنية الرسمية تخشى أن تواجه الكثير من التحديات التي تفرضها طبيعة التغيرات العصرية المتسارعة في شتي المجالات.. مما يفرض عليها أن تكون مؤسسة تعلم قادرة علي تجديد ذاتها .. حتى تواكب هذه التغيرات ، وتستطيع أن تلبي الاحتياجات الحتمية المتغيرة بتغير العصر .. وتغير احتياجاته ومتطلباته .
إن الأمر أكثر من انتهاج مداخل القصد من ورائها أي تغيير منشود .. بل يجب أن يرافق ذلك تهيئة مسبقة للمجتمع الأردني بشكل عام والمجتمع التربوي بشكل خاص ومجتمع التعليم الثانوي بشكل أكثر خصوصية.. فكثير من التجارب التي كان هدفها النهوض بالثانوية العامة خاصة في دول الجوار كان مصيرها الفشل رغم جودتها .. إلا أنها لم تراع أبسط أبجديات التغيير المتمثل في التهيئة المسبقة وعدم إحداث التغيير بشكل فجائي وعشوائي.. لم تسبقه تهيئة مناسبة . ومن وجهة نظري الخاصة أجد حتماً أن الإعلام التربوي يجب أن يمارس فيها دورًا كبيرًا.
فنحن نفخر جميعا أن لدينا كفاءات تربوية وكوادر عتيدة من الأساتذة الأفاضل في وزارة التربية والتعليم والكليات والجامعات يملكون رؤى تربوية تطويريه يمكن أن تنهض بنظامنا التربوي إلى أفضل المستويات ولكن لو منحت الفرصة الكافية .. خاصة في مجال تطوير الثانوية العامة.. فمن هنا لا بد لنا أن ندرك جازمين أننا بحاجة إلى نظام تربوي متطور يراعي خصائص المجتمع الأردني المتغيرة والمتطورة مع تغير وتطور المجتمعات دون أن يكون مستوردا أو منقولا ، خصوصًا فيما يتعلق بالتعليم الثانوي.. فمن الضرورة بمكان انتهاج الطريقة الجذرية في التغيير على الدوام.. وللحقيقة أن ظهور أي خلل لا يستدعي أكثر من التحسين والتطوير في الأسلوب القائم أو في وعي المجتمع التربوي.. فالتغيير الجذري مطلوب في فترات متباعدة.. أما التحسين والتطوير فهما مطلوبان بشكل مستمر ودائم .. وفي فترات قصيرة متلاحقة متعاقبه.
إننا ونحن نعيش زمن الاقتصاد القائم على المعرفة ...لا بد أن ننظر إلى جهد القائمين على العملية التعليمية التعلمية في التركيز على العمل التعليمي التعلمي الصفي وإتقانه وتجويده بكل ما يملكون من قوة .. بعد تحديد المعايير التي تكفل ذلك .. بغض النظر عن التقويم ومعدلات الترفيع التي سترتفع كنتيجة منطقية للجودة التعليمية العالية.
فامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة يجرى سنويا لأغراض عديدة في مقدمتها محاسبة الطالب على كم المعرفة الحفظية والتذكرية التي بجعبته .. لا من أجل تحسين العملية التعليمية والاعتماد عليها في القرارات التربوية وغيرها.. وبحسب معرفتي بالمعايير التربوية الحديثة والقياس والتقويم التربوي المعتمد على الأسس والقواعد الفعالة فلا اعتقد أن مصطلح المحاسبة التربوية له وجود في قواميس التربية والتعليم لذلك فإنني ازعم وفق المعطيات الحالية إن الممارسات التقويمية المؤسسية لدينا هي ممارسات مكتبية شكلية تمارس بعيدة عن الواقع التعليمي الذي نحن بحاجته .
ووفق المنهجية التقليدية التي تتبعها وزارتنا العتيدة للتحضير الجيد للامتحان ذلك يستوجب منها إعداد للقاعات ولجان المراقبة والتصحيح وما إلى ذلك من طرق الهدر التربوي .... لذلك دعوني أتساءل : لماذا لا تجري عملية أتمتة لامتحانات الثانوية العامة.. ولماذا لا تكون منهجية امتحانات الثانوية العامة معتمدة على مجموعة من وسائل التقييم الحديثة المستندة إلى قواعد إجرائية واضحة ترقى إلى مستوى عال من التطور والتقدم ليقيم أداء الطالب بما ينسجم وطموحة وآماله ونسايره في تحصيله الدراسي عبر مرجعيات تقويم أو بنوك أسئلة مقننة الخصائص السيكومترية باحتراف؟ تمامًا كما في اختبارات التوفل وغيرها.
وفي مقابل ذلك يكون هناك اختبارات للقبول في الجامعات ليقبل الطالب وفقها بناء على محكات تختلف باختلاف الكفايات المطلوبة لكل تخصص.. بحيث تصبح معايير القبول مركبة من اختبار الثانوية بآلياته الجديدة .. واختبار القبول في الجامعة.. بالإضافة إلى اختبار القدرات.. واختبار للاتجاهات والميول وغيرها من المتطلبات.
فالمشكلة التربوية القائمة لدينا في الأردن أن الثانوية العامة تحولت من غاية العلم والتعلّم إلى غاية اجتياز الامتحان ..
من هنا يجب أن ندعو جميعاً .. إلى عمل تقييم شامل للعملية التعليمية ومراجعة عامة وشاملة وخاصة للمرحلة الثانوية ؟! وفيما يتعلق بتحديد المناهج الدراسية و بيداغوجيا التعليم ..أو أدوات التقييم التقليدية المختلفة .. وتقصي المناهج الخفية المكتوبة ( مناهج الظل ) التي تعتمدها المراكز الثقافية الربحية كبدائل قوية للمناهج الرسمية .
نحن نحب وزارتنا فلا نريد أن نضع كل اللوم على أجهزتها.. ولكن ..!! لا نريدها أن تستمر في اعتمادها على سياسات تقييم تربوية آن لها أن تتجدد .. وفق المعايير التي سبق وتحدثت عنها .. مراعية بذلك جميع المستويات العقلية للطلبة عند بناء التقييم لنتمكن من إزالة الفوبيا من التوجيهي.. لاننا بالفعل لا نريد أن نرى جدلية غير مبررة في الأسئلة التي لا تحاكي إلا من له القدرة على الحفظ والتذكر .. .. فلنتذكر أنهم أبناؤنا وأفراد هذا التكوين الطلابي لمجتمعنا الفتي ولم يأتوا من كوكب آخر !!
مع تحياتي
الكاتب : فيصل تايه
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com